ـ[أبو عبد الباري]ــــــــ[14 - 01 - 05, 05:46 م]ـ
الأخ الشيخ إحسان أحسن الله إلينا وإليك في الدارين
خلاصة بحثي أن الأطفال في الجنة بدون تفريق ومن غير اختبار، والحديث الذي أوردته هنا مما احتج به من اختار الامتحان لا يصح بحال، وقد بينا فيما سبق كل ذلك
وحكاية الأشعري عن أهل السنة غير صحيحة وله من مثل ذلك نظائر، ولعلي أنقل هنا الفصل الخاص بمناقشة الأقوال لعلي أستفيد من تعليقاتكم:
الفصل السادس: مناقشة الأقوال والمذاهب على ضوء ما تقدم
لقد اختلف العلماء في هذه المسألة اختلافا شديدا، وتباينت آراؤهم بسبب ما ورد من الأحاديث التي ظاهرها الاختلاف، و تقدم ذكر ما وقفنا عليه من هذه الأحاديث والأقوال، والآن نأتي لمناقشة ما استدل به كل فريق على الترتيب الذي تقدم، وفي ختام هذا الفصل يتضح ما لكل قول من أدلة سليمة أو حتى قوية، وما على استدلالات من ذهب إليه من ضعف وملاحظات، فنقول:
أولا: مناقشة القول بأنهم في الجنة
وهو اختيار غير واحد من أهل العلم كالبخاري والقرطبي والنووي و السبكي وابن حزم وابن الجوزي وغيرهم، وهو أيضا مذهب الجمهور على قول ابن حزم.
استدل من قال بذلك بأدلة من الكتاب والسنة العامة، كما استدلوا بأدلة خاصة من السنة تقدم ذكرها، وقد نوقشت من وجهين:
الوجه الأول: معارضتها بنصوص الوقف
وهو جواب من اختار التوقف، وذلك أن النصوص الواردة في التوقف عن القطع للأطفال بجنة أو نار إما على عموم الأطفال أو على خصوص أطفال المشركين صحيحة المخارج، وتدل على أنهم يصيرون إلى علم الله فيهم، وليس لأحد أن يعرف علم الله فيهم، فيجب التوقف عن الجزم مع تعارض النصوص.
وأجيب عنه: بما تقدم في الفصل الأول من أن نصوص التوقف ليست صريحة في تعذيب الأطفال لا على العموم ولا على الخصوص، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يجب بالتوقف، وإنما ذكر أن الله أعلم بما كانوا عاملين أي لو أدركوا العمل، ليس فيها أن الله يجازيهم بعلمه فيهم من غير أن يصدر منهم عمل.
أضف إلى ذلك أن النصوص الكثيرة المتقدمة تدل على أنهم في الجنة، فتقدم على ما ذكرتم.
وهي أيضا متأخرة إلى زمن الفتح لحديث أنس في أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه اللاهين فأعطاهم وقد تقدم، وسياق حديث ابن عباس يدل على أنه كان في غزوة الفتح، لما فيه من أنه صلى الله عليه وسلم رأى طفلا بعد الطواف.
الوجه الثاني: معارضتها بنصوص الامتحان
وهو جواب من اختار ذلك من العلماء، قالوا: والجمع بين النصوص المتعارضة واجب مهما أمكن، ونصوص الامتحان ظاهرة، فتكون هي الجامعة بين ظواهر النصوص المختلفة، فما كان فيه أنهم في الجنة فهو من سيجتاز الامتحان، وما فيه أنهم في النار فهو من يستحقها بعد الامتحان، وما فيها توقف فهو ترك الإطلاق بأنهم في الجنة أو النار، وأن منهم من سيكون من أهل الجنة ومنهم من سيكون من أهل النار بعد الامتحان، ولا تجتمع النصوص إلا بهذا.
ويلزم من القطع لهم بالجنة ضرب النصوص بعضها ببعض، أوترك العمل ببعضها والله أعلم.
وأجيب عنه من وجهين:
أولا: بأن هذا قوي لو صحت الأخبار الواردة فيه، لكنه لم يصح منها شيء يعتمد عليه كما تقدم في تخريجها.
وثانيا: لا تنحصر أوجه الجمع فيه، وفرق بين كونه أحسنها لو صح دليله، وبين انحصار أوجه الجمع فيه كما سيأتي في مناقشته، والعبرة هنا بصحة الدليل، فالتأويل فرع التصحيح، ومادام لم تصح نصوص الامتحان فلا شك أن غيره مما صحت فيه الأخبار أولى منه، وأخبار الجزم لهم بالجنة أصرحها وأصحها والله أعلم.
ثانيا: مناقشة القول بأنهم في النار
وهو قول طائفة من أهل الحديث وغيرهم كما قال ابن تيمية، و قول جماعة من المتكلمين وأهل التفسير وأحد الوجهين لأصحاب أحمد كما قال ابن القيم.
قال أبو عبد الباري: جملة ما استدل به من ذهب هذا المذهب من الأحاديث ستة على ما تقدم، وقد نوقش هذا الاستدلال من وجوه:
الوجه الأول: أن منها ما لا يصلح للاستدلال.
وذلك أن من هذه الأحاديث المذكورة التي احتج بها من ذهب هذا المذهب ما لا يصلح للاحتجاج إما لأنه لا يصح سندا، وإما لأنه خارج عن محل النزاع، وبيانه على التفصيل الآتي:
• ما لا يصلح للاستدلال به لضعفه ونكارته، وهي ثلاثة أحاديث:
¥