تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الدرجة الأولى: المقصِّرون فيه بترك واجب أو فعل محرم ــ بعد اتيانهم بأصل الإيمان ــ فهؤلاء هم أصحاب الكبائر أو المُخلِّطون من أهل التوحيد أو عصاة الموحِّدين أو الفاسق المِليِّ أي أنه مع فسقه لم يخرج من المِلة، وهذه درجة (فمنهم ظالم لنفسه) فاطر ــ على قول ٍ في تفسيرها ــ فمن كان هذا حاله فهو من أهل الوعيد إن مات بلا توبة، ولكنه في المشيئة، فإن شاء الله غفر له وأدخله الجنة ابتداء بلا سابقة عذاب، وإن شاء عذّبه بقدر ذنوبه ثم يخرجه الله من النار ويُدخله الجنة بما معه من أصل الإيمان كما دلت عليه النصوص المذكورة أعلاه. أما الدليل على أنه في المشيئة فقوله تعالى (إن الله لايغفر أن يُشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء) النساء 48، فالمذنبون من أهل التوحيد مغفرة ذنوبهم معلقة على مشيئة الرحمن، ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم (بايعوني على أن لاتشركوا بالله شيئا ولاتسرقوا، ولاتزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولاتأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولاتعصوا في معروف، فمن وَفَى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله عليه، فهو إلى الله: إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه) الحديث متفق عليه. ويستثنى من تكفير الذنب بالعقوبة وكونه في المشيئة: المرتد المشار إليه في الحديث بقوله (أن لاتشركوا بالله شيئا)، فإذا قتل على الردة لم تكن العقوبة كفارة له، وإذا مات مرتداً لم يكن في المشيئة لقوله تعالى (إن الله لايغفر أن يشرك به) سواءً عوقب في الدنيا على ردته أو لم يُعاقب. انظر (فتح الباري) جـ 1/ 64 ــ 68، و جـ 12/ 112.

الدرجة الثانية: الذين أدّوا الإيمان الواجب بتمامه لم يقصروا فيه ولم يزيدوا عليه ــ بعد اتيانهم بأصل الإيمان ــ فهذا هو المؤمن المستحق للوعد السالم من الوعيد أي أنه يستحق دخول الجنة ابتداء بلا سابقة عذاب بفضل الله حسب وعده الصادق، وهذه هى درجة المقتصدين (ومنهم مقتصد) فاطر، وفي هؤلاء أيضا حديث (أفلح إن صدق) فيمن سأل عن شرائع الإسلام، وفيه (فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك بالحق لاأتطوع شيئا ولاأنقص مما فرض الله عَلَيّ شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق) الحديث متفق عليه واللفظ للبخاري (1891) فأداء الفرائض بلا تطوع هذه صفة الإيمان الواجب وقد بشّره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفلاح ودخول الجنة على ذلك.

جـ ــ المرتبة الثالثة: الإيمان المستحب: وهو مازاد عن الإيمان الواجب من فعل المندوبات والمستحبات وترك المكروهات والمشتبهات، فمن أتى بهذا ــ مع أصل الإيمان والإيمان الواجب ــ فهو من السابقين المحسنين الذين يستحقون دخول الجنة ابتداء في درجة أعلى من المقتصدين، وهى درجة (ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) فاطر.

قال تعالى (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، ذلك هو الفضل الكبير) فاطر 32.

هذه هى مراتب الإيمان الثلاث، وقال ابن تيمية عن الإيمان (وهو مركب من أصل لايتم بدونه، ومن واجب ينقص بفواته نقصاً يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة) (مجموع الفتاوى) 7/ 637. ولو قال (أصل لايوجد بدونه) لكان أفضل من قوله (لايتم بدونه). لأن الإيمان لايتم بأصله فقط بل بمراتبه الثلاث والتي يُسمى مجموعها بالإيمان الكامل، كما قال ابن تيمية نفسه (وهو جميع ماأمر الله به، فهذا هو الإيمان الكامل التام) (مجموع الفتاوى) 19/ 293.

والإيمان الذي ذكرنا مراتبه الثلاث آنفا هو الإيمان الحقيقي الذي تجري عليه أحكام الآخرة عند الله تعالى من الثواب والعقاب، أما في الدنيا فالإيمان الحكمي الذي يُفرق به بين المسلم والكافر (وهو المرادف للإسلام الحكمي) يثبت بالإقرار بالشهادتين أو مايقوم مقامهما من علامات الإسلام. قال ابن حجر رحمه الله ــ في كلامه في تعريف الإيمان ــ (فالسلف قالوا هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان ــ إلى قوله ــ وهذا كله بالنظر إلى ماعند الله تعالى، أما بالنظر إلى ماعندنا فالإيمان هو الإقرار فقط، فمن أقرَّ أجريت عليه الأحكام في الدنيا) (فتح الباري) 1/ 46. وقال ابن تيمية رحمه الله (لأن الإيمان الظاهر الذي تجري عليه الأحكام في الدنيا لايستلزم الإيمان في الباطن الذي يكون صاحبه من أهل السعادة في الآخرة) (مجموع الفتاوى) 7/ 210. وقد فرق الله بين نوعَي الإيمان في قوله تعالى (ياأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن، الله أعلم بإيمانهن، فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار) الممتحنة 9، فقوله تعالى (الله أعلم بإيمانهن) أي بحقيقة إيمانهن، وقوله (فإن علمتموهن مؤمنات) أي بحسب الظاهر وهو الإيمان الحكمي. وكما في قوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات، والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض) النساء 25، فقوله تعالى (المحصنات المؤمنات، فتياتكم المؤمنات) أي بحسب الظاهر، وقوله (والله أعلم بإيمانكم) أي بحقيقته وهو الإيمان الحقيقي.

يُراجع في مراتب الإيمان: (مجموع فتاوى ابن تيمية) جـ 7 صـ 358 و 525 و 529 و 637، جـ 10 صـ 6، جـ 12 صـ 474، جـ 19 صـ 290 ــ 294. وقد وصف ابن القيم رحمه الله أحوال أصحاب هذه المراتب الثلاث (الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات) وذلك في كتابه (طريق الهجرتين) صـ 185 ــ 216، ط دار الكتب العلمية 1402 هـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير