تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[طريق الهداية]

ـ[أم الفضل السلفية]ــــــــ[15 - 10 - 10, 09:26 م]ـ

فما هي الهداية؟

الهداية: دِلالة بلطف إلى ما يوصل إلى المطلوب. وقيل: سلوك طريق يوصل إلى المطلوب.

وعرّفها ابن القيم بقوله: هي معرفة الحق والعملُ به.

فَعُلِمَ من هذا أن الهداية تُستطاع بفعل الأسباب بعد توفيق الله، ولذا قال سبحانه:

(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ)

وقال عز وجل: (مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا)

وقال جل جلاله: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى)

وقال سبحانه وبحمده: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ)

قال ابن القيّم: فعل الرب تعالى هو الهدى، وفعل العبد هو الاهتداء، وهو أثر فعله سبحانه فهو الهادي والعبد المهتدي. قال تعالى: (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي)

وقال – رحمه الله –: (الفوائد 166 - 171): تكرر في القرآن جعل الأعمال القائمة بالقلب والجوارح سببَ الهداية والإضلال. اهـ.

ولا بُدّ من فعل الأسباب والمجاهدة في الله حتى تحصل الهداية التامة، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)

قال ابن القيم (الفوائد 87): علّق سبحانه الهداية بالجهاد، فأكمل الناس هداية أعظمهم جهاداً .... أي في ذات الله، كما في الآية السابقة.

ولا يُتصوّر أن ملكاً من الملائكة سوف يأخذ بيد العبد للهداية، فيأخذ بيده إلى المسجد أو يأخذ بيده ويُساعده على إخراج منكرات بيته أو محلِّه، بل لا بُدّ أن تُبذل الأسباب أولاً ثم يسأل العبدُ ربَّه التوفيق.

ولذا كان الأنبياء والرسل يبذلون الأسباب المستطاعة ثم يسألون ربّهم التوفيق والإعانة.

وقد قسّم ابن رجب الناس إلى ثلاثة أقسام، فقال: الأقسام ثلاثة: راشد، وغاو، وضال؛ فالراشد عرف الحق واتبعه، والغاوي عرفه ولم يتبعه، والضال لم يعرفه بالكلية؛ فكلُّ راشدٍ هو مهتد، وكل مهتدٍ هدايةً تامة فهو راشد؛ لأن الهداية إنما تتم بمعرفة الحق والعمل به أيضا. اهـ.

وقال رحمه الله: وإنما وَصَفَ – يعني النيّ صلى الله عليه وسلم - الخلفاءَ بالراشدين – في الحديث -؛ لأنهم عرفوا الحق وقضوا به، والراشد ضد الغاوي، والغاوي من عرف الحق وعمل بخلافه. اهـ

وقد وصَف الله أتباع إبليس بأنهم من الغاوين، فقال: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ)

ووصَف الله الذي أوتيَ الآيات فردّها بأنه من الغاوين، فقال: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)

وفَرْقٌ بين الغواية والضلالة.

ولذا لما قال فرعون لموسى: (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ)

ردّ عليه موسى بقوله: (قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)

أي قبل النبوة وقبل مجيء الرسالة.

وقد امتنّ اللهُ تبارك وتعالى على نبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم بهذه النعمة العظيمة، والمِنّةِ الجسيمة فقال: (وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى)

وهذا يُفسِّرُه قولُه سبحانه: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)

فدلّ هذا على أن الهداية نعمة لا تحصل بتمامها إلا بفعل الأسباب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير