وقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ اقتصاص الخلق بعضهم من بعض، ثم قال: فو الذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا.
ويهديهم ربهم بسبب إيمانهم بالله عز وجل
قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)
فَمَن هُدي في هذه الحياة الدنيا هُديَ في الآخرة، (وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً)
وقد قال الله في أهل الجحيم: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ {22} مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ {23} وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ {24} مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ {25} بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ {26} وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ {27} قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ {28} قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ {29} وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ {30} فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ {31} فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ {32} فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ {33} إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ {34} إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ)
والمقصود بـ أَزْوَاجهم: نظراءهم وأشياعهم وأضرابهم.
ومن أسباب الهداية:
أولاً: التوحيد، فهو أعظم أسباب الهداية، ولذا لما ذَكرَ الله الشرك قال: (وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا)
فالموحِّد على خير، وهو إلى الخير أقرب.
وقال على لسان خليله إبراهيم: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)
فهذا وعدٌ بالهداية لأهل التوحيد.
ثانياً: امتثال ما أَمَرَ الله بهِ ورسولُه، واجتناب ما نَهى الله ورسوله عنه، قال عز وجل: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا {66} وَإِذاً لآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا {67} وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)
قال ابن جرير – رحمه الله -: يعني بذلك جل ثناؤه ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم لإيتائنا إياهم على فعلهم ما وعظوا به من طاعتنا والانتهاء إلى أمرنا أجراً يعني جزاء وثوابا عظيما وأشد تثبيتا لعزائمهم وآرائهم وأقوى لهم على أعمالهم لهدايتنا إياهم صراطا مستقيما، يعني طريقا لا اعوجاج فيه، وهو دين الله القويم الذي اختاره لعباده وشرعه لهم، وذلك الإسلام، ومعنى قوله ولهديناهم: ولوفّقناهم للصراط المستقيم. اهـ
وقال الحافظ ابن كثير: ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به وتركوا ما يُنهون عنه لكان خيراً لهم أي من مخالفة الأمر وارتكاب النهي وأشد تثبيتا، قال السدي: أي وأشد تصديقا، وإذا لآتيناهم من دنا أي من عندنا أجرا عظيما يعني الجنة، ولهديناهم صراطا مستقيما أي في الدنيا والآخرة. اهـ.
وإذا كانت الذنوب سبباً لسوء الخاتمة، وللطبع على القلب، كان تركها سبباً للهداية، وأشد في الثّبات على دين الله.
فالمحافظة على الصلاة – مثلاً – وإقامتها كما أمر الله، مما أُمِرَ به المسلم، ثم هي سبب في الابتعاد عن الفواحش والمنكرات (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)
وبها يستعين العبد على الصبر على ما ينوبه في الحياة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)
قال ابن كثير: إن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر.
وبها يستعين العبد على الشدائد: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)
¥