سادساً: الدعاء، والاجتهاد فيه، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن
مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
وفيه أيضا عن علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قل: اللهم اهدني وسددني، وأذكر بالهدى هدايتك الطريق، والسداد سداد السهم.
وعَلّمَ رسولُ الله سِبْطَه الحسن بن علي، علّمه دعاء القنوت المشهور، فقال الحسن: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت. رواه أبو داود وغيره.
ومن دعائه صلى الله عليه وسلم: اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين. رواه أحمد والنسائي.
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: رب أعني ولا تُعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي رب اجعلني لك شكارا، لك ذكارا، لك رهابا، لك مطواعا، لك مخبتا، إليك أواها منيبا، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي وسدد لساني، واهدِ قلبي، واسلل سخيمة صدري. رواه أحمد والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
ولما سُئلت عائشة - رضي الله عنها - بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت:كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. رواه مسلم
فَدَلّ على اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الدعاء، وإرشاده إليه، وتعليمه لأصحابه وأحفاده
وفيما يرويه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ربِّه تبارك وتعالى أنه قال: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. رواه مسلم.
فاسأل ربك الهداية، فقد قال خليلُ الله إبراهيمُ: (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)
ومن دعاءِ المؤمنين: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)
سابعاً: المجاهدة على فعل الطاعات، وترك المنكرات، والصبر على ذلك.
قال تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)
ثامناً: كثرة ذكر الله تبارك وتعالى، فإن الإعراض عن ذكر الله سبب في الضلال، كما في قوله تعالى: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ {36} وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ)
وهذه الهداية لا تكونُ مهيأةً في كلِّ وقتٍ للعبدِ المسلم، فإن الحقّ سبحانه وتعالى قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)
وفي هذا حثٌ على المبادرةِ بالاستجابة لله ولرسوله، قبل أن يأتي يومٌ يَبْحَثُ فيه المسلمُ عن قلبه فلا يجده، أي أنه يُحالُ بينه وبين قلبه.
وإليك هذه القِصّةً التي تدل على صحة هذا القول، وأنه قد يُحال بين المرء وبين قلبه.
هذه القصة لرجلٍ كان من ملوك النصارى فأسلم. وهو جبلة بن الأيهم.
أسلم في أيامِ عمر، وحج معه فبينما هو يطوف بالكعبة إذ وطئ إزاره رجلٌ من بني فزارة، فانحلّ إزارُه فرفع جبلةُ يده فهشم أنف الفزاري، فاستعدى عليه عمر، فاستحضره عمر فاعترف، ثم طلبه للقصاص فاستنكف واستكبر، وسأل عمرَ أن يمهله ليلته تلك، فلما ادْلَهَمّ الليل ركب في قومه ومن أطاعه وسار إلى الشام ثم دخل بلاد الروم وراجع دينه دين السوء، أي أنه ارتد عن دين الله.
ولما بدا له أن يعود حِيْلَ بينه وبين ما أراد، فكان مما قال:
تنصَّرتْ الأشرافُ من عارِ لطمةٍ وما كان فيها لو صبرتُ لها ضررْ
تكنّفني فيها اللجاجُ ونخوةٌ وبِعْتُ بها العينَ الصحيحةَ بالعَوَرْ
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني رجعتُ إلى القول الذي قاله عمرْ
¥