يبكِي المسلمون من شدة الحُزْنَ كما يبكي الحبيبُ لفراقِ حبيبِه.
يبكون على هذه الديارِ التي كانت للمسلمين، وأصبحت الآن خاليةً منهم، مملؤةً بالكفار.
وأصبحت مساجدُها كنائسَ، تُضْرَبُ فيها النواقيسُ وتُعْبَدُ فيها الصُلْبانُ.
حتى المحاريبُ تبكي وهي حجارةٌ، وحتى المنابرُ ترثي وهي أخشابٌ.
من ذا الذي يستطيع أن يُعِينَ هؤلاء الناس الذين أصبحوا أَذِلَّةً بعد أن كانوا أَعِزَّةً وغَيَّرَ الظلمُ أحوالَهم؟
هؤلاء الناس الذين كانوا مُلُوكاً قبل أيام، وأصبحوا اليوم عَبِيداً في بلادِهم التي صارت للكفر دِيَاراً.
إِن القلوبَ التي فيها إيمانٌ تَذُوب من شِدَّةِ الحُزْنِ لمثل هذه المصائب التي وقعت على هذه الديار وأهلِها.
د ـ من الجوانب البلاغية
نلاحظ في هذه القصيدة جوانب بلاغية تظهر فيما يأتي:
المُبَالَغَةُ: الناظر في هذه القصيدة يجدها مليئةً بأساليبِ المبالغة للتَّدْلِيل بها على عِظَمِ الفاجعة التي حَلّت بالمسلمين بسقوط الأندلس في أيدي الصَّلِيبِيِّين الأسبانِ، منها:
(أ) قوله: فاسأَل بلنسية. وأين حمص؟ ……
فالسؤال لهذه المدن ليس على سبيل الحقيقة بالطبع، إذ لا يُوَجَّه السؤال لغير العاقل إنما على سبيل المبالغة والتهويل، لبيان ما حلّ بهذه المدن بعد سقوطها.
(ب) قوله: تبكي الحنيفية البَيْضَاء. حتى المحاريب تبكي. حتى المنابر ترثي. يذوب القلب. فبكاء الحنيفية (ملة الإسلام) وبكاء المحاريب ورِثاء المنابر وذَوَبَان القلب ... كل ذلك ليس على سبيل الحقيقة، إذ لا يبكي ما لا يعقل ولا يرثي ولا يذوب وإنما على سبيل المبالغة - كذلك - لبيان فَدَاحَة ما حلّ ببلاد الأندلس.
الطباق والمقابلة: نرى ذلك:
(أ) في قول الشاعر: لكل شيء إذا ما تم نقصان. فقد طابق الشاعر بين تَمّ ونقصان.
(ب) في قوله: وللزمان مسرّات وأحزان. فقد طابق بين مسرات وأحزان.
(جـ) في قوله: بالأمس كانوا ملوكا في منازلهم * واليوم هم في بلاد الكفر عُبدان
فقد قابل بين الأمس/ ومنازلهم/ وملوك وبين اليوم/ وبلاد الكفر/ وعبدان
التَّشْبيه:
(أ) في قوله: قواعدٌ كنَّ أَركان البلاد فما ...
قد شَبَّه هذه الحواضرَ التي سَقَطَت (بَلَنْسِيَة ... إشبِيلية) بالأركان بالنسبة إلى بلاد الأندلس بجامع الأساس في كلًّ. فكما أن الأركان لأيِّ شيء هي أساسه فكذلك هذه الحواضر هي الأُسُس والعُمُد بالنسبة إلى بلاد الأندلس فإذا سقطت الأركان سقط كل شيء عليها.
(ب) أما في قوله: تبكي الحنيفية البيضاء من أسف * كما بكى لفراق اللإلف هَيْمان
فقد شبه بكاء الإسلام (أي المسلمين) على فراق هذه البلاد ببكاء المُحِبِّ لفراق حبيبه وذلك- كما قلنا من قبل- على سبيل المبالغة.
هـ ـ ما يستفاد من هذه القصيدة
أن حاضر المسلمين اليوم كماضيهم الغابرِ يومَ حلّت بِبلاد الأندلس مصائبُ الهزيمة والسقوط وأنهم الآن يُضَيِّعُون أوطانَهم ويَضْعُفُون بتفرّقهم وتمزّقهم، كما ضاعت أوطانُهم الإسلامية في الأندلس.
أن على المسلمين- لكي ينتصروا على عدوهم- أن يتّحدوا ويَعْتَصِموا بحبل اللّه جميعاً، ويحقِّقوا الوَحْدَةَ والأخوة الإِسلامية فيعظم أمرهم ويحافظوا بذلك على بلادهم وأوطانهم الإسلامية.
ـ[أم نور الدين]ــــــــ[31 - 10 - 10, 06:15 م]ـ
جزاك الله خيرا ونفع بك