- القاعدة التي جرى عليها علماء الحديث أن العالم الذي كثر خيره، وكثرت حسناته، وكثرت إصابته؛ يجب أن يقدر، وأن يحترم وأن يعرف له ما أصاب فيه، وأن يدعى له بالمغفرة والرحمة، نعم، ولا يُجارى في خطأه.
- إن الحافظ -رحمه الله-اختار لفظ الخبر، ونبه هو في شرحه على أنه قصد هذه اللفظة؛ لأنها أعم فتشمل كل ما يُروى من خبر، سواء كان هذا الخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عن غيره، وهذا الغير إما أن يكون من الأمم السالفة، أو من الصحابة، أو من التابعين، ومن جاء بعدهم، فهذا منهج ينبغي أن يُسار عليه، وهو الحكم على كل ما يمكن أن يُتلقى.
- إن الخبر من حيث وروده ينقسم إلى قسمين: متواتر وآحاد، هذا هو الخبر في الجملة، لا يخرج عن أحد هذين القسمين: إما متواتر، وإما آحاد.
- تعريفُ الخَبَرِ المُتَوَاتِر
نقول بالنسبة للخبر المتواتر: أولا من حيث التعريف اللغوي، يعرفه أهل اللغة: بأن المتواتر هو المتتابع، ولذلك إذا قيل تواتر المطر أو تتابع المطر.
أما بالنسبة للتعريف الاصطلاحي عندهم "ما يرويه عددٌ كثير تحيل العادة تواطئهم على الكذب، وتكون هذه الكثرة في جميع طبقات السند، وأحالوه إلى شيءٍ محسوس"
- رابع هذه الشروط: أن يكون مستند هؤلاء الرواة الحس، أي لا الظن ولا النظريات ولا غير ذلك، إنما لابد أن يكون الخبر الذي يرون به ناشئًا عن حس، إما بالسماع أو بالمشاهدة، أو غير ذلك مما يدرك بالحواس.
- نقد التعريف السابق:
أن أقول إن نشأة هذا التعريف أو تقسيم الخبر بالمعنى الأدق إنما نشأت بعد ظهور تيار المعتزلة، يعني في آخر القرن الثاني، فلو نظرنا في القرن الأول، وبداية القرن الثاني لا نجد لعلماء الحديث وغيرهم أيضًا من العلماء المعتبرين، لا نجد لهم كلامًا في هذا البتة، فلا يعرفون إلا الصحيح والضعيف، هل يثبت أو لا يثبت، أما هذه الشروط التي اشترطت في المتواتر، وهذا التعريف الذي ذُكر في المتواتر فلم يكونوا يعرفوه.
والسبب في نشأة هذا التعريف، السبب في حقيقة الأمر أن المعتزلة رأوا أهل السنة يحتجون بأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن صحابته الكرام -رضي الله تعالى عنهم- تخالف ما هم عليه من المعتقد، فعلى سبيل المثال: من أهم القضايا التي يتكلم فيها المعتزلة قضية الصفات، فهم ينكرون جميع الصفات، فإذا جاءت نصوص شرعية من كتاب الله أولوها، لكن إذا جاءت أحاديث نبوية تفسر القرآن وتوضحه ولا يمكن أن يتأولوها مثل ما تأولوا القرآن، فإنهم يقفون حائرين أمام هذه الأدلة الشرعية، ماذا يصنعون تجاهها؟ فأوجدوا هذا التقسيم، فقالوا: نحن نفرق بين المتواتر والآحاد، فإذا كان الخبر الذي جاء عن -النبي صلى الله عليه وسلم- متواترًا قبلناه، وإذا كان آحادًا وهو ما سوى المتواتر رفضناه في أبواب الاعتقاد، فهم يحكمهم الهوى، فلا يقبلون من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا ما لم يتعرض لأصولهم.
من المساوئ التي في هذا التعريف -الشرط الثاني: وهو أن تكون هذه الكثرة في جميع طبقات السند مع التعريف الثالث: وهو أن تحيل العادة تواطؤهم على الكذب.
فنسأل أصحاب هذا التعريف ونقول: هل يمكن أن ينطبق هذا التعريف على صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟
وهذا في حقيقته من أبشع ما تضمنه هذا التعريف؛ لأنه فيه سوء أدب مع صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم، فينبغي أن يُنقد هذا التعريف من هذه الحيثية مع مجمل أصول اعتقاد أهل السنة، فلا يُسَلَّم بهذا التعريف، وينبغي أن يحرر.
- خبر الكافة هو الذي يُتناقل من كافة الناس إلى من بعدهم وهكذا، هذا يُشبه ما نسميه بقضية الإجماع وجريان العمل، فإذا كان بهذه الصفة فنعم، فعندنا على سبيل المثال النبي -صلى الله عليه وسلم- والصلاة وعددها وعدد ركعاتها والزكاة ونحو ذلك، هذه كيف صدقنا بها كحكم؟ إنما صدقنا بها؛ لأنها جاءت بطريق النقل المتواتر الذي يُسمى خبر الكافة، يعني لا يحتاج هذا إلى إقامة دليل.
- المتواتر عندنا نوعان (من حيث الثبوت)
النوع الأول: وهو ما يفيد العلم الضروري.
والنوع الثاني: وهو ما يفيد العلم النظري
العلم الضروري: هو الذي يضطر صاحبه إلى التصديق، لابد أن يصدق (مثل وجود عنترة بن شداد أو وجود بلد من البلدان)، وهو ليس من مباحث الإسناد.
¥