تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا الرجل في الحقيقة جاء في اليوم الثاني من الذي أتيت إليه فيه إلى الدكان أولا أعطاني مصحفا من القرآن الكريم، وقال لي: اقرأ يا بنيّ شيء من القرآن، فقرأت، فقال لي: أنت أين قرأت القرآن؟ فقلت له: قرأت القرآن عند الشيخ صبحي العطار رحمه الله. قال: قراءتك جيدة، وتجويدك جيد والحمد لله! ثم سألني عن شيء من علم الصرف، فقال: هل قرأت شيئا في علم الصرف؟ فقلت: قرأت عند الشيخ سليمان غاوجي الألباني –وكان هذا الشيخ رحمه الله جارا لنا في تلك الأيام في منطقة اسمها الديوانية في دمشق. قال لي: اصرِف لي باب نَصَر. وكان الأتراك والألبان وغيرهم دائما يبدؤون بباب نصر؛ تفاؤلا بالنصر، فقلت: نَصر ينصُر نصرا فهو ناصر ذاك منصور لم ينصر لمّا ينصر لِيَنْصر اُنصر لا تنصُر نُصير نصّار ما أنصره أنصِر به. قال لي: ما شاء الله! إذا تعرف الصرف. ثم طلب مني أن أعرب جملة من كتاب للكفراوي في النحو، فأعربتها له، وسُرّ مني، وكان ذلك في يوم من رمضان، فقال لي: من يجب عليه الصيام، ومن لا يجب؟ كنت أحفظ بيتين من الشعر في الفقه من الشيخ صبحي العطار، فقلت له:

عوارضُ الصوم التي قد يُغتفرْ ... للمرء فيها الفطرُ تسعٌ تُستطرْ

حبَلٌ وإرضاعٌ وإكراهٌ سَفَرْ ... مرضٌ جهادٌ جُوعُهُ عَطَشٌ كِبَرْ

فطلب مني أن أبين له هذه الأمور التسعة ما هي؟ فبينتها له، فقال: يا بني أنت يجب أن تكون طالب علم.

فأخذني إلى الجامع الأُموي، وكانت هناك حلقات علمية، كالشيخ صالح فُرفور وتلامذته، فقال لأحد التلامذة، وهو الشيخ عبد الرزاق الحلبي: ضعوا هذا الشاب معكم في الحلقات العلمية، وبدأنا ودرست على هؤلاء المشايخ ..

ثم إن الشيخ نفسه –الشيخ سعيد الأحمر الذي بدأت أشتغل عنده في مهنة الساعات- أخذني أيضا إلى مدرسة كانت تسمى المدرسة الكاملية، وكان فيها رجل يعلم الناس القرآن والتجويد: الشيخ محمود فايز الديرعطاني، فطلب مني أن أقرأ القرآن عليه مرة أخرى من أوله إلى آخره، فقرأت عليه القرآن رحمه الله، وكان هذا الرجل في الحقيقة يحبني كثيرا، ويقول: هذا الغلام قراءته سليقية، وأراد مني أن أحفظ، فبدأت بالحفظ، وطلب مني أن أقرأ القراءات، ولكني لم ينشرح صدري للقراءات، وإنما انشرح صدري لطلب العلم ودراسة الفقه والقرآن والحديث والتفسير، فبدأت أطلب العلم على هؤلاء المشايخ.

مرت عليّ فترة من الزمن، بعد ذلك كنت أسمع الحديث من مشايخ الأموي، فأرى أن هذا الحديث يقول عنه الشيخ: رواه الطبراني في الأوسط عن فلان، أو رواه في الكبير أو الصغير عن فلان وفلان، فأرجع وأتأكد من الحديث في فيض القدير شرح الجامع الصغير، لأن أكثر المشايخ في دمشق في ذلك العهد في دمشق كانوا يقرؤون من الجامع الصغير للسُيوطي، والترغيب والترهيب للحافظ المُنذِري، وهذان الكتابات فيهما من الأحاديث الضعيفة بل والموضوعة، مثلا في الجامع الصغير للسيوطي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ربيع أمتي العنب والبطيخ"، وهو حديثٌ موضوع، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الباذنجان لِما أُكل له"، حديث موضوع، فلذلك كنت أتأكد عندما أسمع الأحاديث في الجامع الصغير أو من الترغيب والترهيب، لأن الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب أيضا قال في مقدمة كتابه: كل حديث ذكرته في كتابي هذا وصدّرته في أوله بكلمة: "رُوي"، وأهملت الكلام عليه في آخره فهو حديث إما ضعيف أو موضوع، وهناك أحاديث من هذا النوع في كثير من الكتب، فلذلك كنت أتأكد من الأحاديث في الترغيب والترهيب أو في الجامع الصغير وأرجع إلى فيض القدير شرح الجامع الصغير للمُناوي، وأنظر أن الشيخ فلان والشيخ فلان ذكر حديثا في الجامع الأموي وسمعه الطلاب والناس مع أن ذلك الحديث ليس صحيحا، بل هو ضعيف، ولذلك أصبح عندي حبٌ للمطالعة في الحديث النبوي الشريف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير