جلست عند معلمي في الساعات: الشيخ سعيد الأحمر التلّي خمس سنوات حتى تعلمت هذه المهنة، وكنت فيها معلّما ولله الحمد، ثم افتتحت دكانا لنفسي بعد خمس سنوات، في هذه الأثناء طلبني مدير المدرسة التي كنت فيها وأخذت منها الشهادة الابتدائية–مدرسة الإسعاف الخيري- أن أرجع وأدرّس في هذه المدرسة، ولما رجعت ودرّست فيها كان شيخي رحمه الله الشيخ صبحي العطار لا يزال معلما فيها، فجئت أنا، ففرح بي كثيرا، وقال: الحمد لله، لقد كنتَ طالبا عندنا، والآن أصبحت أستاذا معنا في هذه المدرسة ..
فحُبب إليّ أن آخذ معي صحيح مسلم، فأخذت صحيح مسلم فقرأته في المدرسة بين الفرص أثناء تدريسي، فعند ذلك أخذت أقرأ كتابا بعد كتاب من كتب الحديث وأحفظ، باعتبار في ذلك الوقت كنت شابا ولم أكن متزوجا، وليس عندي أولاد ولا عندي مشاغل، فكنت أحفظ عدة أحاديث في اليوم الواحد، فهذا ما حدا بي وشجعني لأن أتعلم الحديث وأنظر في كتب الحديث، فأصبحت أرجع إلى كتب البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغير ذلك من الأحاديث، إلى أن مضى فترة من الزمن، وكنت حققت في الشام كتاب جامع الأصول لابن الأثير الجَزَري، واشتغلت به خمس سنوات في تحقيقه، وهذا الكتاب يجمع موطأ الإمام مالك، والبخاري ومسلم وأبا داود والترمذي والنسائي، فعملت به، ورجعت إلى كثير من الكتب أثناء تحقيقي لمثل هذا الحديث ..
وهناك مرّت عليّ ظروفٌ؛ كنت إماما في عدة المساجد، وكنت خطيبا في أكثر من مسجد، مسجدين أو ثلاثة، في المدة الأخيرة كنت خطيبا في جامع اسمه الجامع المحمدي، وهذا عندما استلمته كان جديدا، فتردد عليّ كثير من الشباب، وكانوا يسمعون الخطب ويسألون، وكنت دائما عقب خطبة الجمعة أعمل أسئلة وأجوبة، فيأتي الشباب فيسألون ويُجابون على هذه الأسئلة، من هنا بدأ بعض الناس وبعض المشايخ يحرّكون عليّ: إن الشيخ وهابي، فيطلبونني ويسألون: ما هو الوهابي؟ فأقول: ليس هناك مذهب وهابي جديد، وإنما هناك رجل اسمه محمد بن عبد الوهاب من أهل نجد؛ ظهر في ذلك الوقت، وهذا توفي عام 1206هـ ولكنه كان يحارب البدع والخرافات وأشياء ويدعو الناس إلى الكتاب وإلى السنة، ومذهبه على مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
بعد ذلك الناس اتهموني بالسلفية! فكنت أبيّن لهم أن السلف الصالح هم القرون الثلاثة المفضلة التي كانت لم تغير ولم تبدل، وإنما ساروا على النهج الصحيح!
إلا أن بعض الناس وشى عليّ أن هذا الشيخ يتكلم أشياء وأشياء، حتى كانت آخر سنة من السنين التي كنت فيها خطيبا؛ كنت أتكلم في رأس السنة الميلادية، حيث بعض الشباب من المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله كانوا يشاركون النصارى في عيدهم، ويشاركون النصارى في شرب الخمر ومشاكل النساء، فعند ذلك قلت خطبة يظهر أنها كانت قوية، وأنا أنادي الشباب المسلمين: إياكم وأن تشاركوا النصارى في أعيادهم وعاداتهم وتقاليدهم وفي شربهم الخمر ومشاكل النساء ..
فمن هنا قالوا: إن هذا يدعو إلى الطائفية، ولذلك منعوني من الخطبة.
بعد ذلك جلست وقمت بتحقيق بعض كتب الحديث ولله الحمد، يعني تقريبا 40 إلى 50 كتابا حديثيا حتى الآن حققتها، أما تآليف فليس لي إلا بعض الرسائل، كرسالة الوجيز في منهج السلف الصالح، ورسالة وصايا نبوية: خمسة أحاديث نبوية مشروحة في رسالة صغيرة تباع، وأما بقية الأشياء فهي عبارة عن تحقيقات، فإذا أراد الإنسان أن ينظر إلى هذه الأشياء، فهناك رجل طُلب منه في كلية الشريعة في دمشق أن يكتب رسالة عند تخرجه عن أحد محدّثي هذا العصر، فكتب رسالة في هذا الموضوع عنّي سمّاها: كشف اللثام عن أحد محدّثي الشام؛ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وهي رسالة مطبوعة، ولا أدري هنا في أي الدور هي، قد تكون في دار المعارف أو غيرها، وسألت أمس صاحب دار المعارف فقال: ليست عندي، ولكن يمكن أن آتي بها من دمشق، لأن الذي طبعها دار المأمون للتراث بيني وبينهم تعامل، فقال: سأطلبها من دمشق ونبيعها هنا إن شاء الله.
فمن أراد أن يعرف أو يدرس بعض تاريخ حياتي فهو موجود في هذه الرسالة بتوسع تقريبا أحسن مما ذكرته الآن.
هذا بالنسبة لحياتي التي مضت عليّ، نسأل الله أن يجعلها خيرا وبركة، ويختمها بالإيمان إن شاء الله.
ـ[محمد زياد التكلة]ــــــــ[26 - 11 - 04, 07:39 م]ـ
أحسن الله إليكم يا شيخ .. علاقتكم مع الشيخ الألباني رحمه الله تعالى.
كنا عند طلب العلم .. أو الشيخ الألباني رحمه الله كان جاري في المسجد الذي كنت أخطب فيه في الديوانية، فكان يصلي خلفي لكنه لم يكن بيننا وبينه اجتماع، ثم بعد ذلك مضت فترة من الزمن اجتمعنا في المكتبة الظاهرية عندنا، فكان الشيخ رحمه الله يأتي إلى هذه المكتبة ويدرُس فيها ويطالع فيها، ثم حُبب إليه الرجوع إلى المخطوطات، فكان ينظر في المخطوطات، ونحن كنا في ذلك الوقت نعمل للمكتب الإسلامي في دمشق، وكنا نرجع في بعض الكتب التي نحققها إلى المكتبة الظاهرية، فهناك عملوا غرفة صغيرة كان الشيخ يطالع فيها، ثم عملوا غرفة كبيرة للمحققين، فكنت أنا والشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله؛ والشيخ شعيب الأرناؤوط نجلس في هذه الغرفة، فهو يكتب ويقرأ ويطالع ويحقق في بعض الأمور، وأنا كنت أحقق بعض الكتب مع الشيخ شعيب الأرناؤوط للمكتب الإسلامي في المكتبة الظاهرية، وكنا نجتمع في ذلك الوقت كثيرا في هذه المكتبة.
بعد ذلك رجعنا إلى المكتب الإسلامي، فكنا نحقق فيه وننظر في الكتب، وأنا اشتغلت كما قلت في جامع الأصول وغير ذلك من الكتب في الحديث، وزاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي، ومثل زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم الجوزية، واشتغلت في تحقيق عدة كتب في الفقه الشافعي وفي الفقه الحنبلي، وإلى الآن لا أزال أقوم بتحقيق بعض الكتب ..
ولكن والحمد لله بيني وبين الشيخ ناصر الدين الألباني كان هناك محبة ومودة، وإن كنت قد أكون أنا أخالفه في بعض الأمور وهو يخالفني؛ ولكن لم نكن إلا على مودة ومحبة والحمد لله.
رحم الله الشيخ، ونسأل الله أن يختم لنا بالإيمان، وأن يجمعنا جميعا في الجنة.
¥