اما ترجمة عبدالحق فاضل فقد رافقتها دراسة موسعة عن الخيام مع مقارنة بين الخيام والمعري, تتحرى نقاط الالتقاء والاختلاف بينهما, ويبرز الالتقاء في طرح الاسئلة الجريئة المتأملة الحائرة عن الحياة وسر الوجود, بينما يظهر الخلاف واضحا في زهد ابي العلاء وانصرافه عن الملذات التي يدعو الخيام الى استنزافها طولا وعرضا, ومع هذه الاختلافات فإن ما يجمع بينهما هو الحكمة والذكاء المتوقد.
وبين الترجمات الشعرية العربية تبدو ترجمة احدم زكي ابو شادي للرباعيات سلسة. وموفقة في توصيل المعاني, ولكن الترجمات الشعرية عموما تعاني من الحشو وتبديل الالفاظ المناسبة بالفاظ غير المناسبة, حسب حاجة الوزن والقافية, وقد ضمت ترجمة (ابو شادي) مقدمتين, واحدة للمترجم, واخرى للأديب روكس بن زائد العزيزي يقارن فيها بين الخيام والمعري ايضا, ويؤكد ان عدم زواجهما كان له تأثير خاص في شعرهما .. وتبدو ترجمة د. محمد غنيمي هلال لثلاث وعشرين رباعية مختارة, عن اللغة الفارسية, في كتابه (مختارات من الشعر الفارسي ـ عن الدار القومية للطباعة والنشر ـ القاهرة 1965) هي الاقرب والاكثر دقة والتزاما بالاصل, وساعده في ذلك انه ترجمها نثرا حرا, ليس فيه حشو او تحوير في المعنى او الصورة الشعرية.
تحديد عدد الرباعيات
ويلخص د. هلال نتائج الدراسات التي تناولت مشكلة الرباعيات المضافة الى رباعيات الخيام فيقول: .. ولكن يؤخذ من البحوث الكثيرة التي قام بها المتخصصون في مختلف اللغات الكبرى ـ وبناء على الرجوع الى المخطوطات الكثيرة والقرائن التاريخية ـ ان ستا وستين رباعية هي من كلام الخيام على سبيل القطع, وبناء على خصائص اسلوبها يمكن ان نلحق بها مئة وثماني عشرة رباعية اخرى على سبيل الاحتمال لا اليقين, فيكون مجموع الرباعيات الصحيحة يقينا واحتمالا مئة وثماني وسبعين, بدلا مما يعزى اليه من رباعيات كثيرة منحولة, تبلغ مئات, بل انها في بعض المخطوطات تتجاوز الالف.
صورة شرقية للخيام
لقي الخيام اهتماما باعماله في مجال الرياضيات والفلك, لدى الدارسين القدامى, الفرس والعرب, وتجاهلا او هجوما على رباعياته واتهامات بالزندقة من المتعصبين المتزمتين, فوصفه الرازي في كتابه (مرصاد العباد) بأنه (الدهري التائه في ميدان الضلال) , كما يذكر محمد غنيمي هلال, وان القفطي في (اخبار الحكماء) قال بأن بعض متأخري الصوفية نقلوا ظواهر شعره الى طريقتهم, وناقشوا هذا الشعر فاعتبروه افاعي سامة, وعندما استنكروه وتألبوا عليه, خاف على دمه, وامسك من عنان لسانه وقلمه وذهب الى الحج.
أما الباحثون المحدثون في الادب الايراني فلهم مواقف غريبة ومختلفة من عمر الخيام, فبعضهم يعتبره رجل علم وتقيا, لا علاقة له بالرباعيات المنسوبة اليه, لما فيها من افكار حرة ودعوة الى الحياة بكل وجوهها المشرقة, وينكرون انه كعالم , يمكن ان يقول شعرا في الغزليات والخمريات والتأمل في حال الوجود واسئلة الحياة والموت, مع ان هذه الموضوعات هي الاغراض الاساسية لأهم اعلام الشعر الفارسي من الذين سبقوا عمرالخيام او عاصروه او جاؤوا بعده, ومنهم: رودكي, رابعة القزدارية, فرضي السيستاني, عسجدي, قطران التبريزي, معزي النيسابوري, انوري, حافظ الشيرازي, ومن قبلهم أبو نواس الذي كتب شعره بالعربية.
ويشير بعض الباحثين الى ان التعسف الذي تعرض له الخيام في حياته وبعد موته من المتزمتين كان في بعض جوانبه يرتبط بأن اسمه (عمر) تحديدا.
ان شعر الرباعيات كان مألوفا في الشعر الفارسي الذي تأثر كثيرا بالشعر العربي, لغة واسلوبا ومضمونا, ويقال ان اول من كتب الرباعيات الفارسية هي الشاعرة (محاسي) , كما كتبها ابو سعيد ابي الخير الذي توفي في فترة ولادة الخيام, ثم شاع هذ النوع من الشعر المكثف بين كبار الشعراء فيما بعد.
لوركا يكتشف (الشرقي الرائع)
تتركز اهتمامات المستعرب الاسباني خوسيه ميجيل بويرتا حول (تاريخ الفكر الجمالي العربي) وهو عنوان بحث مطول وفريد, صدر في مدريد في اكثر من تسعمئة صفحة, وفي الذكرى المئوية لميلاد لوركا (1998) ترجم الى العربية مقالة كانت مغمورة, حول عمر الخيام, وكتب خوسيه ميجيل مقالة, اعطاني نسخة منها, عن التأثيرات المبكرة لرباعيات الخيام على شعر لوركا, وهي غير منشورة باللغة العربية, جاء فيها:
¥