ومثل قصة رفض قيس أن يطعم من شاة لأنها كانت منزوعة القلب.
ومثل حكايات كثرة اغمائه وافاقته، التي تظهره متهافتا ضعيف الشخصية في بعض الأحايين.
كذلك يؤخذ على هذه المسرحية أن المؤلف قد جعل بعض الشخصيات تتصرف تصرفات مخالفة للعرف. فمثلا نرى (ورد) في المسرحية – وهو زوج ليلى – يبيح لقاء قيس واختلاءه بصاحبته في بيت الزوجية، وهذا غير مألوف، مهما قصد به الاشادة بنبل العرب وسماحتهم. ووالد ليلى حين يتقدم اليه ابن عوف ملحا في اتمام زواجها من قيس، يترك الخيار لها لتبدى رأيها، فترفض ايثارا للتقاليد، وهذه من المبالغات المفرطة، مهما أريد الاشادة بمنح الأب العربي الحرية للبنت، ومهما قصد الى الاشادة برعاية البنت للتقاليد. وليلى في مشهد سمر ليلي نراها تقدم ابن ذريح لصواحبها وتقدمهن له، تماما كما تفعل الفتيات الحضريات في العصر الحديث في بعض النوادي أو حفلات السمر.
وكل هذا مما يخرج المواقف عن طبيعتها المألوفة، ويصرفها عن توقعاتها المنتظرة.
ومأخذ اخير على "مجنون ليلى" وهو أن الصراع النفسي فيها ليس واضحا بالقدر الذي كان من الممكن أن يتحقق. ففي المسرحية مواقف تتيح فرصة تجلية هذا الصراع، وبيان كيف تتصادم المشاعر في داخل النفس الانسانية. ومن أهم هذه المواقف موقف ليلى، وقد عرض عليها ابداء رأيها في الزواج من قيس. فان المؤلف قد جعل البطلة تعبر في يسر وايجاز عن رفضها ايثار للتقاليد، وكل ما نحسه منها هو مجرد الندم على هذا التصرف.
بينما كان من الممكن في هذا المجال تصوير صراع الحب والتقاليد في أعماقها، واصطدام صوت القلب بصوت العقل في داخلها، وحرب العرف الجامد للتطوير المرن في وجدانها. ووسائل تجلية هذا الصراع كثيرة يعرفها المتمرسون بصناعة الكتابة المسرحية، فهناك النجوى الداخلية للذات، وهناك الافضاء والمسارة الى من يؤتمن على السر، ثم هناك الحلم، وما الى ذلك من الوسائل التعبيرية المسرحية الكثيرة.
وربما كان اهتمام شوقى بالوصف والعرض الخارجي، أكثر من اهتمامه بالتحليل والاستبطان الداخلي، راجعا لرغبته في ان يمزج بين التمثيل والغناء، وعدم رغبته في التمثيل وحده. ومن هنا لم يطالب نفسه بهذا التعمق التحليلي الذي يطالب به مؤلفو المسرحيات الخالصة أنفسهم. وربما كان من الانصاف أن ينظر الى مسرحيات شوقي الشعرية من هذه الزاوية. وفي هذا الاطار تعتبر "مجنون ليلى" من أروع مسرحيات شوقي، ومن خير المسرحيات الشعرية في الأدب المصري الحديث. هذا بالاضافة الى ما لها ولأخواتها من فضل الريادة في ميدان الأدب المسرحي الشعري.
وهذا مشهد في "مجنون ليلي" حيث يلتقي قيس وصاحبته في دار "ورد" بعد أن تزوجت – كارهة ومضحية – من هذا الأخير، وحيث أتاح "ورد" هذا اللقاء سماحة منه ورحمة بالمجنون:
ليلى: أحق حبيب القلب أنت بجانبي أحلم سرى أم نحن منتبهان
أبعد تراب المهد من أرض عامر بأرض ثقيف نحن مقتربان
قيس: حنانيك ليلى، ما لخل وخلة من الأرض الا حيث يجتمعان
فكل بلاد قربت منك، منزلي وكل مكان أنت فيه، مكاني
ليلى: فمالي أرى خديك بالدمع بللا أمن فرح عيناك تبتدران
قيس: فداؤك ليلى الروح من شر حادث رماك بهذا السقم والذوبان
ليلى: تراني اذن مهزولة قيس؟ حبذا هزالي ومن كان الهزال كساني
قيس: هو الفكر ليلى، فيمن الفكر؟
ليلى: في الذي تجنى
قيس: كفاني ما لقيت كفاني
ليلى: أأدركت أن السهم يا قيس واحد وأنا كلينا للهوى هدفان
كلانا قيس مذبوحٌ قتيل الأب والأم
طعينان بسكين من العادات والوهم
لقد زوجت ممن لم يكن ذوقي ولا طعمي
ومن يكبر عن سني ومن يصغر عن علمي
غريب لا من الحي ولا من ولد العم
ولا ثروته تربي على مال أبي الجم
فنحن اليوم في بيت على ضدين منضم
هو السجن وقد لا ينطوي السجن على ظلم
هو القبر حوى ميتين جارين على الرغم
شتيتين وان لم يبعد العظم من العظم
فان القرب بالروح وليس القرب بالجسم
قيس" تعالي نعيش ياليل في ظل قفرة من البيد لم تنقل بها قدمان
تعالي الى واد خلي وجدول ورنة عصفور وأيكة بان
تعالي الى ذكرى الصبا وجنونه وأحلام عيش من دد وأمان
فكم قبلة ياليل في ميعة الصبا وقبل الهوى ليست بذات معان
أخذنا وأعطينا اذا البهم ترتعي واذ نحن خلف البهم مستتران
ولم نك ندري يوم ذلك ما الهوى ولا ما يعود القلب من خفقان
¥