تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نتجاوز معاً أوراق الذات لأني أستطيب التحدث عنها لأنها ذاتية .. وكفى .. المجاذبة الشعرية أدعى إلى التوقف:

وقفت أمام حائط نخل مهمل .. بماذا أوحى به ذلك المشهد؟!

دموع الأمس تفتح دفتريها

فينبض في الأصائل دفتراها

لها وله تسرب في الليالي

وهز شغافها حتى يراها

وفي توصيف واقعي لهمهمة النخلة ووجدها:

وللنخلات همهمة ووجد

بأكسية المريضة دثراها

تحن إلى ترنمك القوافي

ويحلم بالمسامي أخضراها

ويراجع نفسه هذه المرة في حنين من شدة الحب لماضيه .. لماضي نخلته المهملة ..

ألم تحن إلى سجع القماري

على السعفات تدهش من يراها؟

ألم تحن إلى سكن وماء

إلى رطب جني في ذراها؟

بلى .. إن حنينها يوم أن كانت عامرة أروع وأشد وجداً من يوم أن باتت غامرة .. الإهمال يُطعم صاحبه الحزن أكان إنساناً أم نباتاً أم حيواناً .. لأنه بداية النهاية .. شاعرنا لأمسه يحن .. ولغده يغني .. ويطرح المزيد من التساؤلات ..

يا غدي ما للغد المأمول لا يطرق بابي؟

ولقد أعددت للقيا أفانين انسكابي

أحضن الحلم فتغشاني ارتعاشات الضباب

وفي حنينه الغنائي تبدو الملامح الجمالية أكبر وأكثر، وأصدق توصيفاً وتوظيفا للمفردات:

يا غديرا ماؤه سكب على جدب الضلوعِ

أنا ما بين مسير. وافتكار. ورجوعِ

حائر .. والحيرة الرعناء تقتات دموعي

وشاعرنا يخرج إلى الداخل .. في رسمه الكاريكاتوري!

كنت في غرفتي ألملم أحلامي

وأهتز للصباح الجديد

وحفيف النسيم خلف جداري

ثرثرات النساء ليلة عيد

إلى أن يقول:

لم أقل للظلام سحقاً فقد أبصر

ت في عينه لهيب الوعيد

كان حولي في كل ركن على الأ

رض وفي السقف كالنقاط السود

موغلاً في دمي يثبط آمالي

فيا بهجة المشارق عودي

وفتحتُ الباب العتيق فصكت

جبهتي قبضة الظلام القعيد

عجباً أين ذلك الصبح؟ هل غا

لته غول تمشي بخطو وئيد

غالته .. مؤنثة .. والغول مذكر .. ألا يرى معي شاعرنا أن كلمة .. أرداه .. أنسب؟ ليأتي على هذا النحو:

عجباً أين ذلك الصبح؟ هل

أرداه غول يمشي بخطو وئيد

أغلب ما في شعر شاعرنا الرشيد يستمد طاقته من الشمس .. النور .. الشظايا .. الوهج .. الاحتراق .. بماذا أوحى به توهجه هذه المرة؟

نادمت حرفي فارتمى متموجا

بين السطور وفي يديه لوائي

ونفضت فيه توهجي فجرى ولم

تظفر بمئزره يد الاعياء

لقد دعا شاعرنا حروفه فجاءت إليه مسرعة طيعة تتراقص فوق صفحاتها كما تتراقص طيور البحر فوق موجاته .. حرفه يخصره بحموة قيظه مسلماً جسده إلى الدفء .. وقلمه لأن يسيل مداده في نشوة فرح واعتزاز:

أنا واحد من أمة لكنني

متوحد بمواجدي وغنائي

وأجود بالدمع الكثيف وليس لي

وجع .. ولكن داء خلي دائي

هكذا تأتي المشاركة إحساساً بألم الآخرين ووجعهم .. عن هذا المعني يقول شاعرنا القديم:

فلا نزلت عليّ ولا بأرضي

سحائب ليس تنتظم البلادا

أكبر فيك هذه الدلالة الشعورية .. وهذا المعنى الذي يعمق روح المشاركة الوجدانية الإنسانية .. إنه يعيش بعقيلة الواثق في عمره وفي أمره، يبصر الحياة ربيعاً حتى وقد خط المشيب شعيرات رأسه:

لم يرعني المشيب أن بياض الشيب

نور إلى الفؤاد تهدّى

إن سحر الغروب يفضل أحيانا

ويلقي في النفس طيبا .. وندا

نظرة تفاؤلية ما أحوجنا إليها ونحن نجتاز مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرجولة .. ومرحلة الرجولة إلى مرحلة الكهولة .. العمر ربيع يورق العقل فيه زهرا وخبرة .. وحكمة بعد مرحلة الستين.

يغالب العطش أحيانا ويبحث عن قطر يرطب به شفتيه .. ويبل به ظمأه .. وهل أجدى من قطر الندى الشعوري لقتل الظمأ ...

تعطش الأحرف في فيّ فتستسقي دموعي

أحرف ظمأي .. بها لهفة مكلوم وجيع

سربت في قاحل الذهن فهمّت بالرجوع

نزح الآتي نداها فتوارت بالصقيع

حتى مع هذا هي تذيل الصقيع متى كانت دافئة .. ودافقة .. لا أحد يلوم شاعرنا على ظمأ حروفه العطشى حين لا تجد الماء ..

لا تلمني ما صمتّ اليوم فالصمت ربيعي

أنا شمس إن أغب ليلا فلا تندب سطوعي

احفر بريشة قلم مشاعرك المعطاءة البناء بئر ماء تروي به عطشك وعطش الآخرين .. تلك هي قمة العطاء .. للقلب وقائع ومواقع تحدث عنها شاعرنا الرشيد بكل عفوية وطموح:

أبني على قمم المنى بيتاً إلى

شرفاته البيضاء تهفو الأنجم

وأهيم .. والحلم اللذيذ مشاعر

شتى ينوء بها حنين مبهم

وأغيب في هجسي .. كأني لم أكن

شيئاً .. وأفائي تضيء وتظلم

لِمَ هذا التراجع يا صاحبي وقصيدتك العلوية تسري ولا تتكلم؟ هل علق بها الصمم .. أنطقها أو احفر لها قبراً إذا كانت عاجزة بعجزك أنت .. الحب يا صديقي لا يسمح بالإغفاءة؛ إنه يهرب من الشباك ..

أغفو على لقياه غفوة ساذج

طرب .. وأوشك أن أطير فأحجم

فيلوح لي خلف السجون مسلط

عات .. تدمدم في رؤاه جهنم

ما دمت تعترف بالخطر .. إذاً لماذا غفوت؟ نريدها إضاءة كقصيدتك تطرد الملل والجهل:

أرسلت طرفي خلف النجم إذ غربا

فعاد يحتضن الأقمار والشهبا

ولم أبال .. وقد أرسلته كلفا

والأفق يمطر ليلا ينبت التعبا

لا أريد لفكرك أن يرهق .. ولا لشعرك أن يزهق ..

لم أرهق الفكر فيما رمت مطلبه

فربّ فكر أحال العقل مضطربا

لو أدرك النهر أن البحر مبتلع

أمواهه .. ما جرى يوما ولا عذبا

أمواهه هنا غير صحيحة .. مياهه هي الأصح .. إذا كان لكل كسر جبر .. ولكل دمعة كف تكفكف وتجفف مجراها فإن لكل انكسار التئاماً متى كانت إرادة السلامة قائمة ..

طفت الحياة وملء أوردتي

أمل لديه يرتخي أملي

أرجو بها شيئاً .. ويفاجئني

شيء يبعثر رعشة الحلم

إلى أن يقول:

كم قلت للآمال لا تهني

فاجتثها يأس فلم تقم

ودعوت: يا أشواق فانطلقي

بالثائق المشغوف للقمم

فارتدت الأصداء ساخرة

يا عاقد الآمال بالصنم

لا عليك يا صديقي الشاعر .. شعرك نبض حياة .. ومشاعرك صوت يقظة .. ما آخذه عليك أنك تحلق في بعض أحلامك ثم تتراجع دون عذر لأنك تملك جناحين قادرين على الارتفاع لا على الارتداد .. أحيي فيك قدرتك على طرح الجميل .. رغم رمادية بعض الصور الزاهية التي لا تحتمل السواد .. حروف شمسك يجب أن تكون بيضاء.

http://www.al-jazirah.com.sa/culture/01082005/mrag27.htm

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير