فبين لحظة التهاب الحرف وإخماده في ذات الوقت كان (المقطع 2/ 3) إذ استنفر الشعر , وتكونت الأفكار , وسيطر تيار الوعي (المنولوج) عليه في حوار أثرى التجربة الشعرية , وأفضى على القصيدة جواً من التناغم و التلاحم .. !
وكل ذلك حدث في ذات اللحظة وفي ذات الساعة .. !
أما المقطع الثالث: فسأقطعه –فقط للتحليل- إلى خمسة مقاطع , وكل مقطع يبدأ بِ (قلت)
(1) قلت: هذا أوان القصائد ..
فلتلتهبْ لي الأكفّ ..
فسوف أفيض على العشب والزهر ..
أنسيه جدب مواسمه الخامدة
(2) قلت- والزهو يُتخم بي-: ها أنا
موقظا هجعة الشعر ..
أنفخ روح التوقد في الأنفس الهامدة.
(3) قلت- والقلم المستَفَزّ يراوده الشعر-: هذا زماني
وسوف أضمّخ بالمجد قامته الماجدة
سوف أرتجل الآن صبوتي المشتهاة ..
وأخضب بالنغم الخصب كل الحقول ..
وأجمع شتى العقول ..
بحضرة آمالي الساهدة
(4) قلت: هاأنذا موغلا في احتراقي ..
أفتّش في منجم النار عن لغة شاردة
شاكستْ من أمالوا إليها الرغاب ..
فلم تلتفت وانطوت ...
ربما
أو تهادت إليّ من الرمل في نبضها العرب البائدة
(5) قلت: ها ...
...............
...............
بغتة- وأنا نفَسي مارد ... تصطلي حرّه روحي الماردة
حضرت غيمة/ أشعلتْ صوتها ... نافثا تحته جمرة واقدة
هكذا هكذا .... جولة واحدة
...............
كان وجه القصيدة مضطرما بالبكاء ..
لأن الغمامة كانت على عجزها شاهدة
ولأن التحليل قد يطول فسأختصر بالمفيد ..
ما إن نصل إلى المقطع الخامس الفرعي:
قلت: ها ...
..................
....................
سنلتقي مع ظاهرة أسلوبية شكلية جديدة تسمى (بالفراغات الطباعية وكينونة الغياب) , فثنائية (الحضور / الغياب) (السواد / البياض) (الكتابة/ الفراغ) تتجلي جلياً في النص , وأربأ بالشاعر أن يكون قد وضع هذه الفراغات هدراََ , ومع انهاتعد انحرافاً وخرقاً لمعايير الكتابة الشعرية إذ من المعتاد أن تكتب الأسطر متتالية ومتوالية , إلا أن هذه الفراغات تعد أداة من أدوات الجمال النصي.
يقول:
قلت: ها ...
...............
...............
بغتة- وأنا نفَسي مارد ... تصطلي حرّه روحي الماردة (*)
فكأنه كان يريد الاستمرار في الحوار , فترك الفراغ ليوحي بأن ثمة حواراً كان يريد أن يكمله , وثمة مشاعرا مازالت مختلجة ومنتظر ساعة النزف , إلا أنه قفز بنا ليفاجئنا بحضور الغيمة .. !
ثم يقول:
هكذا هكذا .... جولة واحدة
...............
كان وجه القصيدة مضطرما بالبكاء ..
لأن الغمامة كانت على عجزها شاهدة
وكأن هذا الفراغ وهذا الصمت يشكل خطاباً مارداً مشتعلاً مؤذناً بهطول الغيمة .. !
وبذلك يكون الفراغ/ البياض قد أدى دوراً بنائياً ودلالياً , تاركاً الحبل للمتلقي لينتج الدلالة الغائبة و يستحضرها من رؤيته الخاصة.
هذه قراءة لا تعبر إلا عن رؤيتي الشخصية للقصيدة .. !
أسماء السقيلي .. !
-------
(*) استوقفني تغير النمط الشعري هنا ليتحول إلى النمط التقليدي التراثي , فهل يريد بذلك الشاعر المزج بين القديم و الحديث , أو ليشعر المتلقي أن التراث مازال يعبق حتى الآن .. ؟!
فما علة هذا التحول؟!
استفسار ربما يجد له جواب .. !