تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد أشار الدكتور محمد مصطفى هدارة إلى نظام التفعيلة في الشعر الحر وعدم التزامه بموسيقى البحور الخليلية فقال: " إن الشكل الجديد (أي الشعر الحر) يقوم على وحدة التفعيلة دون التزام الموسيقى للبحور المعروفة، كما أن شعراء القصيدة الحرة يرون أن موسيقى الشعر ينبغي أن تكون انعكاسا للحالات الانفعالية عند الشاعر.

ومما سبق تتضح لنا طبيعة الشعر الحر، فهو شعر يجري وفق القواعد العروضية للقصيدة العربية، ويلتزم بها، ولا يخرج عنها إلا من حيث الشكل، والتحرر من القافية الواحدة في أغلب الأحيان. فالوزن العروضي موجود والتفعيلة ثابتة مع اختلاف في الشكل الخارجي ليس غير، فإذا أراد الشاعر أن ينسج قصيدة ما على بحر معين وليكن " الرمل " مثلا استوجب عليه أن يلتزم في قصيدته بهذا البحر وتفعيلاته من مطلعها إلى منتهاها وليس له من الحرية سوى عدم التقيد بنظام البيت التقليدي والقافية الموحدة. وإن كان الأمر لا يمنع من ظهور القافية واختفائها من حين لآخر حسب ما تقتضيه النغمة الموسيقية وانتهاء الدفقة الشعورية.

وإنما الشطر هو الأساس الذي تبنى عليه القصيدة ـ وقد رأى بعض النقاد أن نستغني عن تسمية الشطر الشعري بالسطر الشعري ـ وله حرية اختيار عدد التفعيلات في الشطر الواحد وذلك حسب الدفق الشعوري عنده أيضا، فقد يتكون الشطر من تفعيلة واحدة، وقد يصل في أقصاه إلى ست تفعيلات كبيرة " كمفاعلين ومستفعلن "، وقد يصل إلى ثمان صغيرة إذا كان البحر الذي استخدمه الشاعر يتكون من ثماني تفعيلات صغيرة كفعولن وفاعلن، غير أن كثير من النقاد لم يحدد عدد التفعيلات في الشطر الواحد، وإنما تركت الحرية للشاعر نفسه في تحديدها كما أسلفنا " وفقا لتنوع الدفقات والتموجات الموسيقية التي تموج بها نفسه في حالتها الشعورية المعينة ".

أما من حيث القافية فيحدثنا الدكتور عز الدين إسماعيل قائلا: " فالقافية في الشعر الجديد ـ بباسطة ـ نهاية موسيقية للسطر الشعري هي أنسب نهاية لهذا السطر من الناحية الإيقاعية ومن هنا كانت صعوبة القافية في الشعر الجديد وكانت قيمتها الفنية كذلك ... فهي في الشعر الجديد لا يبحث عنها في قائمة الكلمات التي تنتهي نهاية واحدة، وإنما هي كلمة " ما " من بين كل كلمات اللغة، يستدعيها السياقان المعنوي والموسيقي للسطر الشعري، لأنها هي الكلمة الوحيدة التي تضع لذلك السطر نهاية ترتاح النفس للوقوف عندها.

ومع أن الشاعر الذي يكتب قصيدة الشعر الحر، يمكنه استخدام البحور الخليلية المفردة التفعيلات والمزدوجة منها على حد سواء إلا أن البحور الصافية التفعيلات هي أفضل البحور التي يمكن استخدامها وأيسرها في كتابة الشعر الحر، لاعتمادها على تفعيلة مفردة غير ممزوجة بأخرى حتى لا يقع الشاعر في مزالق الأخطاء العروضية، أو يجمع بين أكثر من بحر في القصيدة الواحدة.

والبحور الصافية التفعيلات هي: التي يتألف شطرها من تكرار تفعيلة واحدة ست مرات كالرمل والكامل والهزج والرجز والمتقارب والمتدارك. كما يدخل ضمن تلك البحور مجزوء الوافر " مفاعلتن مفاعلتن ". وهذا ما جعل نازك الملائكة تقرر بان الشعر الحر جاء على قواعد العروض العربي، ملتزما بها كل الالتزام، وكل ما فيه من غرابة أنه يجمع الوافي والمجزوء والمشطرور والمنهوك جميعا. ومصداقا لما نقول أن نتناول أي قصيدة من الشعر الحر، ونعزل ما فيها من مجزوء ومشطور ومنهوك، فلسوف ننتهي إلى أن نحصل على ثلاث قصائد جارية على الأسلوب العربي دون أية غرابة فيها.

جوهر الشعر الحر:

أما جوهره فهو التعبير عن معاناة الشاعر الحقيقية للواقع التي تعيشه الإنسانية المعذبة.

فالقصيدة الشعرية إنما هي تجربة إنسانية مستقلة في حد ذاتها، ولم يكن الشعر مجرد مجموعة من العواطف، والمشاعر، والأخيلة، والتراكيب اللغوية فحسب، وإنما هو إلى جانب ذلك طاقة تعبيرية تشارك في خلقها كل القدرات والإمكانيات الإنسانية مجتمعة ـ كما أن موضوعاته هي موضوعات الحياة عامة، تلك الموضوعات التي تعبر عن لقطات عادية تتطور بالحتمية الطبيعية لتصبح كائنا عضويا يقوم بوظيفة حيوية في المجتمع. ومن أهم تلك الموضوعات ما يكشف عما في الواقع من الزيف والضلال، ومواطن التخلف والجوع والمرض، ودفع الناس على فعل التغيير إلى الأفضل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير