ومن أعجب ما يكون أن يدعو الداعون إلى الوحدة الوطنية، والانتماء الوطني، ثم تفرض اللغات الأجنبية، ويمكن لها في بلادهم؛ لتحل محل العربية، ومن المعلوم أن اللغة هي وعاء الولاء والانتماء، فكيف ينتمي قوم لبلاد رضيت أن تزاحم لغتَها لغاتٌ أجنبية؟!
- من تعلم منذ صغره لغة حتى أضحت لغته الأولى فلا بد أن يتعلم جذورها وثقافتها وتاريخ أهلها، فينتمي إليهم ولو لم يكن من بلادهم، وكثير ممن نشئوا من أبناء المسلمين على ألسن الغرب ولغاتهم كان ولاؤهم إليهم أكثر من ولائهم
لأمتهم وبلدانهم.
- لقد ارتبطت اللغة العربية بتراث دينّي تمثّل في قرآنها المجيد، و سنة نبيّها الكريم، و تراث أدبيّ تتصاغر أمامه آداب الشعوب الأخرى
- ولا يمكن أن نعرف الدين إلا باللغة العربية، وتعلم الدين واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، قال العلماء:
لا يتهيأ لمن كان لسانه غير العربية من العجم والترك وغيرهم أن يعرفوا إعجاز القرآن، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من الأنبياء من نبي إلا أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحى الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيام). قد ذهبت عصا موسى، وناقة صالح، ومعجزة عيسى بشفاء المرضى، وكتب الأنبياء جميعاً ذهبت، و أصابها التحريف، وبقيت هذه المعجزة نزول القرآن بالعربية، فكيف يستمر عمله في الواقع ويؤمن عليه الناس؟ كيف إلا إذا تعلموا لغته، وعرفوا إعجازه، وكيف يعرفون إعجازه بغير اللغة العربية؟ وكيف يتذوقونه؟
- بفعل مجاورة المسلمين للروم إبان حكمهم للأندلس وجد حسب إحصائية القاموس الأسباني والبرتغالي بأن ربع كلمات الأسبانية والبرتغالية مشتقةٌ وأصولها عربية، بل وقد أثرنا في لغات الأقوام الأوربيين الآخرين
- اللغة العربية هي الأداة التي نقلت الثقافة العربية عبر القرون، وعن طريقها وبوساطتها اتصلت الأجيال العربية جيلاً بعد
جيل في عصور طويلة،
- كان المسلم ينتقل من المغرب إلى أقصى المشرق وهو يتكلم باللغة العربية الفصحى، وكل واحد يفهمه، كلهم يفهم بعضهم بعضاً؛ لأن اللغة واحدة، فلما احتلت الدولة الإسلامية، وقسموها شنوا الحرب على اللغة العربية الفصحى، وفرضت لغة الغزاة على الشعوب الإسلامية المغلوبة. أولاً: جعلوا لغتهم هي اللغة الإجبارية في المدارس، من المرحلة الابتدائية إلى الجامعية فما فوق، واعتبروها اللغة الأساسية في البلاد مع إهمال اللغة العربية، حتى ينشأ جيلٌ من أبناء المسلمين يتكلم بلغة الغزاة ويهجر لغته الأصلية، وصار طالب العمل والوظيفة لا يستطيع أن يجد وظيفة إلا إذا كان يتقن لغة الغزاة اتقاناً جيداً، حتى صارت الأجيال في بلاد المسلمين لا تحسن النطق بالعربية وتجيد لغات الغزاة، وابتعدت الأجيال عن الدين نتيجة لذلك، حتى صار الواحد يفتح المصحف ولا يحسن تلاوته، ولا قراءة حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن مقطوعة شعرية، أو قصة كتبت بالعربية
- إن للغة التي يتحدث بها الشخص تأثيرا على شخصيته، وهذا واقع محسوس فالذين يتبجحون باللغات الأجنبية بلا حاجة، من المنهزمين نجد أن أنفسهم ملئت كبرا واحتقارا للآخرين من المؤمنين، وإعزازا وإجلالا لأحبابهم من الغربيين. وكذلك من يتحدث الفصحى فإنه يتذكر أن لغته هي لغة الصدر الأول من الصحابة والتابعين، فكأنه يعيش معهم. قال الإمام ابن تيمية رحمه الله:" اعلم أنّ اعتياد اللغة يؤثر في العقلِ والخلقِ والدينِ تأثيراً قويّاً بيّناً، ويؤثر أيضاً في مشابهةِ صدرِ هذه الأمّةِ من الصحابةِ والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقلَ والدينَ والخلقَ
- إن اللغة العربية هي شعار الدين ووعاؤه، والقرآن لا يقرأ كما أنزله الله تعالى إلا بالعربية، ولا يتعبد بتلاوته إلا بها، وكل النصوص التي جاء فيها فضل قراءة القرآن، فإنما مرادها قراءته بلسان العرب، ومن هنا كان تعلم اللسان العربي لكل مسلم دائرا بين الواجب والمستحب؛ فما لا تتم العبادة إلا به كقراءة الفاتحة لا بد أن يقرأها الأعجمي بلسان عربي، ولا تغنيه ترجمتها أو فهم معانيها شيئا، ولا تصح صلاته إلا بها.
¥