- ولأجل هذا كانت العربية من شعائر الدين، وكان المساس بها، أو احتقارها احتقارا للدين وللقرآن الذي أُنزل بها، ومحاربتها محاربة للدين، والدعوة إلى غيرها دعوة ضد دين الإسلام؛ وقد جاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (تعلموا العربية فإنها من دينكم) وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون).
ولما كانت هذه هي منزلة العربية من دين الإسلام؛ فإن أعداء الملة كرسوا حربهم لها، وسلقوا ألسنتهم بتحقيرها وتصغيرها، وسنوا أقلامهم لنقدها وعيبها؛ لأنها لسان القرآن وبيانه، ولعلمهم أنها وعاء الإسلام وشعاره، فتنفير الناس منها، وصرفهم عنها ما هو إلا صرف عن كتاب الله تعالى وعن دين الإسلام.
- نزول القرآن الكريم بالعربية دليل أهميتها و أفضليتها و هو أيضا باعث نهضتها و صاحب الفضل الاكبر و الاثر الاظهر في نشرها وخلودها
- فكما أنّه لن تفلح أمة تقاتل بما لا تصنع, وتأكل ما لا تزرع, وتلبس ما لا تنسج, فإنه لن تفلح أمة , لا يتقن المثقفون والباحثون والمسؤولون منها لغتهم الأم, بل ومفتونون بلغات الغرب
- اللغة من الدين و يذكر الازهري أن من أسباب قيامه بتأليف كتابه - تهذيب اللغة - النصيحة الواجبة على أهل العلم لجماعة المسلمين، كما جاء بها التوجيه النبوي: (الدين النصيحة) أي أن دينه حَمَله على أن يضع كتابه في اللغة العربية لإفادة الناس ما يحتاجون إليه، والدفاع عن لغة العرب التي جاء بها القرآن، وجاءت بها السنن والآثار
- - إن الدفاع عن اللغة العربية الفصحى: هو دفاع عن القرآن، وعن الدين الإسلامي: قُرآنه، وحديثِ رسوله، وتاريخِه، وتراثِه الفقهي، وذخائرِه الفكرية والأدبية الخالدة الماجدة.و من لم ينشاعلى أن يحب لغة قومه استخف بتراث امته و استهان بخصائص حضارته
- و لقد عرف السلف ا أهمية اللغة حيث كانت تربيتهم لأولادهم على النطق باللغة العربية وإتقانها أمراً عجيباً، وذلك لأنهم كانوا يعرفون تمام المعرفة أن الولد لن يفهم كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلا إذا أجاد اللغة العربية، وكانوا يحاربون اللحن والخطأ في اللغة جداً، وكان أمرهم شديداً في هذه المسألة، فقد قرأ بعضهم يوماً قوله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] العلماءُ فاعل، فهم الذين يخشون الله، فقرأها: إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ، فقال له قائل: كفرت، أتنطق بالكفر؟ جعلت الله يخشى العلماء! وسمع أعرابي -وكانوا من أهل اللغة- قارئاً يقرأ: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [التوبة:3] قال: ورسولِه، فقال: معاذ الله أن يتبرأ الله من رسوله وذلك لأنه جرَّ كلمة "ورسوله" فصارت معطوفة على المشركين، ومرَّ أحدهم على قارئٍ يقرأ قوله تعالى: وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ [البقرة:221] لا تُنكح أي: لا تزوج مشركاً حتى يسلم، فلا يجوز أن تجعل مسلمة تحت يهودي، أو نصراني، أو كافر، فمن جهل القارئ قرأ: ولا تَنكحوا المشركين بفتح التاء، فقال: والله لن نَنْكِحَهم حتى ولو آمنوا، كيف ينكح الذكرُ الذكرَ؟ فانظر إلى شناعة التغيُّر الذي يحدث بتغيُّر ضمة، أو فتحة، أو كسرة. وكان الوليد يخطب العيد، فقرأ: يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ [الحاقة:27] وهذه جملة تامة، كان واسمها وخبرها، فقرأها كانت القاضيةُ، فصارت جملة ناقصة، لأن القاضيةُ اسم كان، وماذا بعدها؟ على من القاضية؟ فقال عمر بن عبد العزيز: عليك فتريحنا منك .. وقال شيخ الإسلام رحمه الله: (وكان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن، فنحن مأمورون أمر إيجاب أو أمر استحبابٍ أن نحفظ القانون العربي ونصلح الألسنة المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنة، والاقتداء بالعرب في خطابها، فلو ترك الناس على لحنهم، لكان نقصاً وعيباً).
- لا بد أن يصل المسلم إلى مستوى في اللغة العربية يفهم به ألفاظ الفاتحة، وألفاظ التشهد، وألفاظ الدعاء المأمور به على
سبيل الوجوب، وكذلك ألفاظ الأذكار التي تجب مرة في العمر بالتهليل والاستغفار، والتسبيح والتحميد وغير ذلك
فيجب عليه أن يتعلم معانيها بالعربية،
فلهذا لا بد أن يعلم كل إنسان أن من واجباته العينية أن يتعلم جزءاً من العربية، يفهم به معنى شهادة أن لا إله إلا الله، ويقيم به حروف الفاتحة ويفهم معاني ألفاظها، ويقيم به حروف ألفاظ التعبدات في الصلاة، وغيرها من الواجبات العينية، فهذا القدر لا خلاف في وجوبه
- قال أحمد بن حنبل رحمه الله: إن اللاحن في الحديث أحد الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يقل عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)، وهو لا يلحن قطعاً، فمن قال عليه باللحن فقد قال عليه ما لم يقل، وبهذا يكون أحد الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا يُعلم خطر التكلم في العلم إذا لم يكن الإنسان صاحب لسان يمكن أن يعبر به أو أن يروي به. ومثل هذا في القراءة، فإن إقامة قراءة القرآن إنما تكون بما وافق وجها نحوياً
- نص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على أن الأهزاج المخالفة لأوزان الخليل بن أحمد بدعة، لا يحل الاشتغال بها، وهذا يقال في الشعر الحُر، فما كان منه غير جارٍ على التفعيلات المعروفة، أو كان خارقاً لها، فهو تغييرٌ وابتداعٌ يؤدي إلى نقض المألوف والمشهور بين الناس، ولذلك يعتبر منهياً عنه من هذا الوجه.
- إن الحفاظ على هذه اللغة العربية بالإضافة إلى أنه مما يتعبد الله به ويبتغى به وجهه، هو من التسنن بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وأصحابه المهديين، والتابعين وأتباعهم، وهو كذلك مما يرفع الله به الدرجات، ويزيد به المنازل، والناس محتاجون إليه