تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فكان لابد من مقارعة الفكر بالفكر والادب بالادب وانبرى ثلة من المفكرين والادباء ممن ادركتهم الغيرة على دينهم واصولهم العربية العريقة فأخذوا يكتبون ويفسرون ويشرحون ويفندون اقوال خصومهم الشعوبيين فنشأ نوع جديد من الادب سمي بأدب المواجهات وكانت هذه المواجهات الفكرية والثقافية تشحذ الذهن وتقوى الحجة , وقد أغنت المكتبة العربية بتراث عظيم فاق في نوعه وقيمته نوع وقيمة الادب الشعوبي الذي اندثر أكثره.

ومن الردود التي وصلتنا على الشعوبية والتي بقيت خالدة على وجه الدهر ردود الجاحظ وأبو حيان التوحيدي وابن قتيبة , وهم أقطاب سامقة في فلك الادب , وانحصر همهم في الدفاع عن العرب دون الإساءة إلى الشعوب الأخرى وهذا جانب انساني من الحضارة العربية الخالدة، وقد كتب الجاحظ رده الشهير على الشعوبية فقال:

"اعلم انك لم تر قط قوما اشقى من هؤلاء الشعوبية ولا اعدى على دينه ولا اشد استهلاكا لعرضه ولااطول نصبا ولا اقل غنما من اهل هذه النحلة ".

وبلغ من غيرة الجاحظ على لغته العربية انه رفض ان يعلم أحد الارمن اللغة العربية ويعرفه على اسرارها عندما علم كرهه للعرب , وكان هذا نوعا من رد الفعل على الاتجاه الشعوبي السائد.

وكلنا يذكر كيف واجه الاصمعي ادعاءات بشار بن برد وتفضيله الفرس على العرب وتخفيه تحت ستار الاسلام رغم انه كان مجوسيا فارسيا.

استمرت المدرسة الشعوبية التى كان من أعمدتها الفردوسي والخيام وأبومسلم الخراساني وابوبكرالخرمي ومحمود الغزنوي تتناقل بين أحفادهم جيلا بعد جيل , ودأب الشعوبيون على شتم العرب بحجة الثأر منهم وأمروا كتابهم ووعاظهم بوضع الرواية و الكتب التي ملؤها الشتم واللعن للعرب وعاداتهم القبلية , ولم يقتصر الامر على الفرس بل تعداه الى الاتراك ايضا , وعندما انحسر مد النفوذ الفارسي عن الدولة العباسية وتعاظم النفوذ التركي استولوا على السلطة وابعدوا القادة العرب من امثال "ابودلف العجلي" عن الجيش وسيطروا على القصر بما لهم من قيان وجوار وخدم داخل القصور والمقاصير , ووصلوا الى مرحلة انهم كانوا يعزلون الخليفة ويقتلونه اذا لم يعجبهم , وقد بدأ هذا الامر بقتل المتوكل الذي حاول التخلص منهم ولكنه لم يفلح , ووجد المتوكل في ذلك مبعثا على الحزن والرثاء وهو يجد قصر الجعفري وقد بدل عزاً بذل ومهانة بعد مهابة:

تغير حسن الجعفري وانسه وقوض بادي الجعفري وحاضره

تحمل عنه ساكنوه فجاءة فجاءت سواء دوره ومقابره

فاين الحجاب الصعب حيث تمنعت بهيبتها ابوابه ومقاصره

واين عميد الناس في كل نوبة تنوب وناهي الدهر فيهم وآمره

وقد اطلق على المواجهات الادبية السابقة الذكر اسم "المواجهات الداخلية" حيث كانت تحصل ضمن المجتمع وبين افراده وادبائه وكتابه من الشعوبيين والعرب اما المواجهات الخارجية فقد تمثلت بشكل حروب دموية بين العرب وغير العرب من الشعوبيين الذين لاحظوا ان خطتهم في القضاء على اللغة العربية وتشويهها لم يجد نفعا فحاولوا استئصال العنصر العربي أو عزله وكان منهم الاعاجم في بلاد فارس وماوراء النهر فنشأت الدول الساسانية والخرمية والغزنوية , وشن الروم هجماتهم على الثغور , واستولى الاخشيد على مصر , وأخذت الشعوبية مظهرا آخر فنوعها الاول كان معاديا للعرب (كالفرس والترك) أما نوعها الثاني فهو مختلف ويعادي الاسلام وأهله (الروم البيزنطيون) وقد حارب المعتصم الروم الذين استباحوا حرمات المسلمين في "زبطرة" فانتصر عليهم انتصارا فائقا في وقعة عمورية التي خلدها ابو تمام بقوله:

السيف اصدق انباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب

بيض الصفائح لاسود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب

وسماها فتح الفتوح وكانت هذه الموقعة انتصارا للاسلام وأهله وهو انتصار كبير للمسلمين على عدوهم الشعوبي الرومي كما حاربت الدولة الحمدانية الروم ودافعت عن ثغور الوطن العربي وكلنا يذكر وقعة الحدث الحمراء الخالدة التي وصفها المتنبي فأجاد اجادة مابعدها اجادة:

هل الحدث الحمراء تعرف لونها وتعرف أي الساقيين الغمائم

اتوك يجرون الحديد كانهم اتوا بجياد مالهن قوائم

ضممت جناحيهم على القلب ضمة تموت الخوافي تحتها والقوادم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير