تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأنتظرُ .. يجيءُ الردّ

وأصبحَ بيننا سدٌ

وماذا خلفَ هذا السدّ

بدأْنا العدّ

أنا طفلٌ حديثُ العهدِ باليُتمِ

ولا أدري وماذا بعدْ

فمنْ بعدَكْ ..

عليَّ يرُدْ؟

ومَن بعدَكْ ..

إذا قبَّلتُ كفَّيهِ ..

أذوقُ الشهدْ؟

ومن يمسحْ ..

على رأسي إذا أأسى؟

ومن بعدَكْ ..

يُقبِّلُني لكي أنسى؟

ومن في الصبحِ أشتَمُّ ..

بأنفاسِهْ ..

عبيرَ الوردْ؟

****

دخلتُ الآنَ حجرتَكِ

وجدتُ النورَ قد غادَرْ

وطيبَكِ من هنا سافَرْ

سألتُ النورَ عن شيءٍ هنا ترَكَهْ

لماذا البيتُ ما عادَ

فلا صوتٌ ولا حرَكَةْ

ولا خيرٌ ولا بركَةْ؟

هنا مازالَ مقعدُكِ

وصوتٌ من كلامِ الأمسْ

جميعًا كنَّا ننتظرُكْ

فهُلِّي مثلما أنتِ

فقد كنتِ ..

هنا بالأمسْ

وبينَ اليومِ والأمسِ

تغيَّرْنا

فلا شكلٌ ولا لونٌ،

ولا طعمٌ ولا مَعنى

ولا أنتِ ..

هنا معَنا

لأوَّلِ مرَّةٍ في العمرِ يا أمي

نذوقُ اليُتمَ أجمعَنا

نُغمِّسُ خبزَنا اليابسْ ..

بأدمُعِنا

هنا بخَّاخةُ الربوِ، ومِسبحَتُكْ،

وطرحتُكِ، وسجَّادَةْ،

ومِذياعٌ صغيرٌ

يقرأُ القرآنَ كالعادَةْ

أتى العيدُ ولم يطرُق ْ على بابي هنا أحدٌ

تعجَّبتُ ..

تُرى قد جاءَ هذا العامُ يا أمي

بلا أعيادْ؟

ولم أسمعْ هنا صوتَكْ ..

يُناديني

فناديتُ ... وناديتُ ...

وخوفٌ داخلي يزدادْ

فأين فُطورُنا أينَ

وأينَ جميعُ من في البيتِ

يلتفُّونَ من حولِكْ؟

هنا كنَّا على ميعادْ

هنا في البهوِ ننتظرُكْ

وهذا المِقعدُ الخالي

أُحدِّقُ فيه ..

ويقتُلُني سؤالٌ دارَ في بالي

طرقتُ البابَ لم أسمعْ ..

هنا صوتَكْ

وناديتُ: أيا أمي .. أيا أُمي

فتحتُ البابَ في صمتٍ

سريرُكِ ها هنا خالِ

وِسادتُكِ، وجلبابُكْ، ومسبحتُكْ،

وبسمتُكِ .. دُعابتُكِ،

ومصروفٌ لأطفالي

وأدويةٌ مُبعثرةٌ

سؤالُكِ دائمًا عني

وعن حالي

ورُقيتُكِ، ودعوتُكِ

ونومي فوقَ رُكبتِكِ

ونظرتُكِ، وضمَّتُكِ، وقُبلتُكِ

وحضنٌ فيه آمالي

بأن أرتاحَ من تعبي، وترحالي

تساقطْتُ ..

على الأرضِ

لأنَّ العجزَ قد دبَّ ..

بأوصالي

****

أُحسُّكِ دائمًا قربي تُناديني

بكلِّ مساءْ

فأجري نحوَ غُرفتِكِ

بكوبِ الماءْ

وقُرصِ دواءْ

فلا أجدُكْ ...

أضمُّكِ داخلي وأذوبْ

فلا يَبقى هنا منِّي ولا منكِ

سوى أنَّا

فَناءٌ ذائبٌ بفناءْ

وقد أعطيتِني روحًا

فحلَّقتُ ..

أنا معَكِ

بكلِّ سماءْ

فيا أمي التي اختصرَتْ بداخلِنا ..

مواسمَنا

فصرنا والسنينَ بكاءْ

مُسافرةٌ إلى أينَ حبيبَتَنا

مسافرةٌ بلا أشياءْ

حقيبتُكِ التي كانتْ

تُسافرُ دائمًا معَكِ

نراها لا تُطيقُ بقاءْ

ضَحكْتِ علينا واللهِ

وسافرتِ على استحياءْ

بغيرِ وداعْ

وسافرتِ ..

لأبعدِ نُقطةٍ في الكونِ سافرتِ

بلا أشياءْ

سِوى زادٍ من التقوى،

وإيمانٍ كنبعِ الماءْ

تُراكِ الآنَ يا أمي

بأيِّ سماءْ؟

****

وتعبسُ حولنا الأشياءُ معلنةً

قدومَ الموتْ

قطارٌ سوفَ يحملُنا لبلدانٍ

ونجهلُها

نسميها بلادَ الصمتْ

لدارٍ غيرِ تلكَ الدارِ يا أمي

وبيتٍ غيرِ هذا البيتْ

أُناديكِ

وأصرخُ دائمًا وحدي

بأعلى صوتْ

رجوتُكِ أن تجيبيني

وأن تَبقَيْ هنا معَنا

لبعضِ الوقتْ

****

أنا أمسكتُ بالهاتِفْ

لأطلبَ نفسَ أرقامِكْ

فكم يأتي جميلاً رائعًا ردُّكْ

إذا كانتْ مهاتفتي

مفاجأةً،

وما دارتْ بحسبانِكْ

بكِلْماتٍ تُزلزلُني ..

تردِّينَ

وتختصرينَ قاموسًا

من الكلِماتِ في ذلكْ

أُحسُّ بقلبِكِ الملهوفِ ينصهرُ

عطاءً مُرهقًا جدًّا

يُغالبُ ما بإمكانِكْ

فأيُّ حكايةٍ أنتِ

وكلُّ منابعِ الحبِّ

تصُبُّ الحُبَّ في ذاتِكْ

أنا من جَمِّ تقديسِكْ وإجلالِكْ

فلو كانَ ..

لغيرِ اللهِ مسموحٌ بأن أسجُدْ

لعشتُ العمرَ يا أمي

لأسجدَ عندَ أعتابِكْ

أنا مازلتُ والهاتِفْ

وعشرونَ محاولَةً

فرُدِّي مثلما كنتِ

وصُبِّي داخلَ الشريانِ تَحنانَكْ

فهذا اليومُ عيدُ الأمِّ يا أمي

وأغنيةٌ أنا قد عشتُ أعشقُها

وأنتِ السرُّ في ذلكْ

أتى العيدُ

وهاتفُكِ يرنُّ ولا تُجيبينَ

هداياكِ أتتْ من كلِّ أحبابِكْ

ولكنْ لم نكنْ ندري

بأنَّكِ دونَ أن ندري

هنا غيَّرْتِ عنوانَكْ

****

أنا الندمانُ من رأسي إلى قدمي

أنا ندمي

على أني تركتُكِ لحظةً في العمرِ

ما كنتِ معي فيها

فعودي لي وأُقسِمُ لَكْ

بأني كلُّ أيامي سأقضيها

لأجلسَ تحتَ أقدامِكْ

أُقبِّلُها وأحملُها على رأسي

أُهدهدُها، أُغطيها

فقد خدعتْني أيامي

ورحلةُ عمرِنا مرَّتْ

ولم أعرفْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير