ـ[أحمد بن يحيى]ــــــــ[23 - 03 - 2008, 06:24 م]ـ
سلمت يداك أخي احمد بن يحيى على ما سطرت
جزاك الله خيرا أخي عبدالله، وأنت فسلمتَ وسلمتْ يداك!
لطالما اعجبت بهذا الشاعر الرائع و عجبت له كيف ينظم أبياته مضمخة بالبديع
دون أن تشعر بثقل الصنعة
صدقت أخي؛ إذا اعتبرنا أن البديع هو البديع بمفهومه الشامل؛ فليست الصنعة عند أبي تمام صنعة فنية فحسب؛ وإن بدا ظاهرها كذلك؛ ولكنها صنعة فكرية (فلسفة حياة)؛ وهي خلطة سرية لا يعرف سرها إلا أبو تمام وحده.
ولكم اعجبني قوله في وصف مسافر:
كأن به ضغنا على كل جانب ... من الأرض أو شوقا الى كل جانب
عجبا له كيف جمع النقيضين
هذه طريقة من طرائق الصنعة عند أبي تمام، وقد اشتهر في شعره بما يسمى: (نوافر الأضداد)، وله فيها فلسفة نادرة!
و كم اردد قوله:
إن يكد مطرف الإخاء فإننا ... نغدو و نسري في إخاء تالد
أو يختلف ماء الوصال فماؤنا ... عذب تحدر من غمام واحد
أو يفترق نسب يؤلف بيننا ... أدب أقمناه مقام الوالد
أبيات جميلة حقا؛ وهي تهدينا إلى جانب مهم من شخصية أبي تمام؛ فلقد كان صادقا صدوقا مع أصدقائه الخلّص؛ وإن كان مقياسه في الصداقة حازما جدا!
بوركت أخي
وتقبل خالص شكري وتقديري
ـ[عبدالله]ــــــــ[23 - 03 - 2008, 11:51 م]ـ
و ها هو يقدم انموذجا لخلق يكاد يكون قد عدم بين الناس بأبياته الآتية:
من لي بإنسان اذا أغضبته ... و جهلت كان الحلم رد جوابه
و اذا صبوت الى المدام شربت من ... أخلاقه و سكرت من آدابه
و تراه يصغي للحديث بطرفه .. و بقلبه و لعله أدرى به
فانظر الى بيته الأخير و ما أكثر من يقطع عليك حديثك هذه الأيام بقوله " إي أعرف هالقصة "
ـ[أحمد بن يحيى]ــــــــ[28 - 03 - 2008, 05:15 ص]ـ
(5)
أقدِّم أبا تمَّام لأنهم قالوا إنه إذا تَخَيَّل تَحَيَّل مُبْعِدا ًعن القَصْدِ إلى الإحاله، وإذا تَأوَّل تَغَوَّل مُصْعِدا ً في طُرُق الإغاله، حتى إذا أُتِيَ من جهة فلسفتِه حَطَبَ بِلَيْل ٍ وجَمَعَ ثِغْثا ً على إِبَّالَه؛ فتأويلاتُه لذلك ــ وإنْ تَمَنْطَقَتْ بِلَبُوس ِ المنطق ــ فاسدة ٌ بارده، وتخييلاتُه ــ وإن ِ الْتَبَسَتْ بظاهرالصُّورة ــ إلا أنها عن حاقِّ الحقِّ حائدة ٌ شارده!
ذلك هو قولهم؛ على ما فيه مِن أشدِّ الوهم، لم يصْدُروا فيه عن حزم، ولم يُوردوا عن عزم. وهل كان مثْلُ قول ِ أبي تمَّام، مُسْتَظْهِرا ً بأحوال ِ ظاهِرِ الغَمام:
ليسَ الحِجابُ بِمُقْصٍ عنكَ ليْ أمَلاً = إنَّ السَّحابَ يُرَجَّى حين يحتجبُ
هل كان إلا تخييلا ً هو أشْبَهُ بالحقيقة لاعتدالِه، وممَّا تَعَلَّقَ به ظاهِرُ الدَّعوَى بالعِلَّة ِ، ممَّا لا سبيلَ إلى اختلالِه واعتلالِه!
ونحوٌ منه ــ وإنْ كان التأويلُ فيه على الصِّفة ِ المُستَدَلَّه، مِن غير أنْ يكونَ ثَمَّة مَعْلولٌ ولا عِلَّه ــ قولُه ناقِلا ً الْتِمَاع َ الشَّيْب مِن خِلال الخِضاب إلى ابتسام ِ الرَّأي وحِلْيَة ِ الآداب:
ولا يُرَوِّعْكِ إيماضُ القَتِيْرِ بِهِ = فإنَّ ذاكَ ابتسامُ الرَّأيِ والأدَبِ
وذلك كان مَقْصِدُه في كلِّ ما هو منه بِسبيل؛ ألا تَرَى إلى قولِه مُجَلَّلا ً بِحُسْن التعليل بِمَزيدِ التخييل:
لا تُنْكِريْ عَطَلَ الكريمِ منَ الغِنَى = فالسَّيْلُ حَرْبٌ للمكانِ العالي
ألا ترى كيف " أُعْطِيَ شَبَها ً من الحَقّ، وَغُشِّيَ رونَقا ً من الصِّدق، بِاحْتِجاج ٍ تُمُحِّل، وقِياس ٍ تُصُنِّعَ فيه وتُعُمِّل "، كما قال ذلك إمامُ البلاغة ِ عبدُ القاهر؛ مُحَرِّرا ً في أسراره أسرارَ ذلك التعليل ِ الباهر، والاستدلال الظاهر.
على أنَّ أكثرَ تخييلاتِ أبي تمَّام إنمّا جاءت بطريق التصوير والتمثيل؛ بحيثُ تَتَجَلَّى الفكرة ُ في لَبُوس ِ المَحْسُوس ِ مِنْ وراء ِ أسْتَار ِ المَعْقُول؛ فَيَقْوَى لذلك أثرُها، ويَعْظُمُ خطرُها. كما في قولِهِ في أثَر لسان ِ الحسود ِ وإنْ كانَ نارا، عندما يتضوَّعُ بطِيب ِ عَرْف ِ العُود ِ ادِّكَارا ً وانتشارا:
وإذا أرادَ اللهُ نَشْرَ فضيلةٍ = طُوِيَتْ، أتاحَ لها لسانَ حَسُودِ
لولا اشتعالُ النارِ فيما جاوَرَتْ = ما كان يُعْرَفُ طِيْبُ عَرْفِ العُوْدِ
والظاهرُ أنَّ أبا تمَّام ــ والله أعلم ــ لم يكن يُعْوِزُهُ في مثل ذلك كبيرُ هَمّ؛ إلا أنْ يَعْزِمَ العَزم، ويَسْتَجْمِعَ الهَمّ؛ فإنَّهُ لمَّا أنشَدَ في حضرة المعتصم:
إقْدامُ عَمْرو في سماحَةِ حاتمٍ = فيْ حِلْمِ أحْنَفَ فيْ ذكاءِ إياسِ
قيل له: الأميرُ فوقَ مَنْ وَصَفْت؛ فما هي إلا سحَابَة ُ فكرة ولُحَيْظَة ُ صَمْت؛ حتى قال في أحسن ِ مثال، وأكمَل ِ استدلال:
لا تنكروا ضَربيْ لهُ مَنْ دُوْنَهُ = مثلاً شَروداً في النَّدَى والباسِ
فاللهُ قد ضَرَبَ الأقَلَّ لِنُورِه = مثلاً من المِشْكاةِ والنِّبْرَاسِ
فلمْ يكنْ عَجَبُ الحاضرين مِنْ نفَادِ بصيرتِهِ وحِدَّة ِ ذكائِه، بِأَقَلَّ من إعجابهم بِحُسْن ِ تَأتِّيْه ِ للمَثَل ِ وجودة ِ استقرائِه.
هذا، والله أعلم.
¥