تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غََرور ما فيها، فانية فانٍ ما عليها، لا خير في شيء من زادها إلا التقوى، مَنْ أَقَلَّ منها استكثر مما يؤمِّنه، ومن استكثر منها استكثر مما يوبقه (يهلكه) ويُطيلُ حُزنَه ويُبْكِي عينيه، كم واثقٍ بها قد أفجعته، وذي طمأنينة إليها قد صرعته، وذي اختيال (الكبر والعجب) فيها قد خدعته، وكم من ذي أُبَّهَةٍ فيها قد صيَّرته حقيرًا، وذي نخوة قد ردته ذليلاً، وكم من ذي تاجٍ قد كبَّته (صرعته) لليدين والفم، سلطانها دُول (متداول)، وعيشها رنق (رنق: كدر)، وعذبها أجاج (الأجاج: الماءالمالح شديد الملوحة)، وحلوها صبر، وغذاؤها سِمَام (السمام: جمع كلمة السم)، وأسبابها رمام) الرمام: جمع كلمة رمة)، وقطاعها سلع (السلع: نبات، وقيل شجر مُرٌّ)، حيُّها بعَرَضِ سقم، ومنيعها بعَرَضِ اهتضام، مليكها مسلوب، وعزيزها مغلوب، وسليمها منكوب، وجامعها (الذي يجمع الدنيا إليه) محروب (مسلوب ماله)، مع أن وراء ذلك سكرات الموت، وهول المطلع (المأتى) والوقوف بين يدي الحكم العدل؛ ?لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيِجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى? (النجم: من الآية31 (

ألستم في مساكن من كان أطولَ منكم أعمارًا، وأوضحَ منكم آثارًا، وأعدَّ عديدًا، وأكثفَ جنودًا، وأعتدَ عتادًا، وأطول عمادا تعبَّدوا للدنيا أيَّ تعبُّد، وآثروها أي إيثار، وظعنوا عنها بالكره والصَّغَار، فهل بلغكم أن الدنيا سمحت لهم نفسًا بفدية، أو أغنت عنهم فيما قد أهلكتهم بخطب، بل قد أرهقتهم بالفوادح، وضعضعتهم (ضعضعتهم: أضعفتهم) بالنوائب، وعقَّرتهم بالمصائب، وقد رأيتم تنكُّرَها لمن دان لها، وأخلد إليها، حين ظعنوا عنها لفراق الأبد إلى آخر المسند، هل زودتهم إلا السغب؟ وأحلتهم إلا الضنك؟ أو نورت لهم إلا الظلمة؟ أو أعقبتهم إلا الندامة؟! أفهذه تؤثِرون؟ أم على هذه تحرصون؟ أم إليها تطمئنون؟! يقول الله: ?مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ*أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآَخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ? (هود:15 - 16 (.فبئست الدار لمن لم يتهمها ولم يكن فيها على وجل منها، فاعلموا- وأنتم تعلمون أنكم تاركوها لا بد- فإنما هي كما وصفها الله باللعب واللهو، وقد قال الله تعالى: ?أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ* وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وإذا بطشتم بطشتم جبارين? (الشعراء:128 - 129)، واتعظو فيها بالذين قالوا: (من أشد منا قوة) (فصلت:15)،حملوا إلى قبورهم فلا يُدْعَونَ ركبانًا، وأنزلوا الأجداث فلا يُدْعَونَ ضِيفَانًا، وجُعِل لهم من الضريح أكنان (الأكنان: ستر، أشياء تخفيهم)، ومن التراب أكفان، ومن الرفات جيران، فهم جيرة لا يجيبون داعيًا، ولا يمنعون ضيمًا (الضيم: الظلم)، ولا يبالون مندبة، إن أخصبوا لم يفرحوا، وإن أقحطوا لم يقنطوا، جَمْعٌ وهُمْ آحاد، وجِيرَةٌ وهم أبعاد، متناؤون لا يزورون ولا يُزارون، حكماء قد ذهبت أضغانهم، وجهلاء قد ماتت أحقادهم، لا يُخشى فَجْعُهُمْ، ولا يُرجَى دَفْعُهُمْ، وكما قال الله تعالى:?فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ?) القصص:58 (استبدلوا بظهر الأرض بطنًا، وبالسعة ضيقًا، وبالأهل غربة، وبالنور ظلمة، فجاؤوها كما فارقوها حفاةً عراةً فرادى، غير أن ظعنوا بأعمالهم إلى الحياة الدائمة، وإلى خلود الأبد، يقول الله تعالى: ?كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ?) الأنبياء:104 (

فاحذروا ما حذركم الله، وانتفعوا بمواعظه، واعتصموا بحبله، عصمنا الله وإياكم بطاعته، ورزقنا وإياكم أداء حقه".

الشرح

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير