ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[26 - 04 - 2008, 01:07 ص]ـ
معلقة عنترة
هلْ غادرَ الشُّعراءُ من متردِّمِ = أم هل عرفتَ الدَّارَ بعد توهُّمِ
يا دارَ عبلةَ بالجواءِ تكلَّمي = وعمي صباحاً دارَ عبلةَ واسلمي
فوقفتُ فيها ناقتي وكأنَّها = فدنٌ لأقضي حاجةَ المتلوِّمِ
وتحلُّ عبلةُ بالجواءِ وأهلنا = بالحزنِ فالصِّمَّانِ فالمتثلِّمِ
حيِّيتَ من طللٍ تقادم عهدهُ = أقوى وأقفرَ بعدَ أمِّ الهيثمِ
حلَّتْ بأرضِ الزَّائرينَ فأصبحتْ = عسراً عليَّ طلابها ابنةَ مخرمِ
علِّقتها عرضاً وأقتلُ قومها = زعماً لعمرُ أبيك ليسَ بمزعمِ
ولقدْ نزلتِ فلا تظنِّي غيرهُ = مني بمنزلةِ المحبِّ المكرمِ
كيف المزارُ وقد تربَّعَ أهلها = بعنيزتينِ وأهلنا بالغيلمِ
إن كنتِ أزمعتِ الفراقَ فإنَّما = زمَّتْ ركابكمُ بليلٍ مظلمِ
ما راعني إلاّ حمولةُ أهلها = وسطَ الدِّيارِ تسفُّ حبَّ الخمخمِ
فيها اثنتانِ وأربعونَ حلوبةً = سوداً كخافيةِ الغرابِ الأسحمِ
إذ تستبيكَ بذي غروبٍ واضحٍ = عذبٍ مقبَّلهُ لذيذِ المطعمِ
وكأنَّ فارةَ تاجرٍ بقسيمةٍ = سبقتْ عوارضها إليكَ من الفمِ
أو روضةً أنفاً تضمَّنَ نبتها = غيثٌ قليلُ الدِّمنِ ليسَ بمعلمِ
جادتْ عليه كلُّ بكرٍ حرَّةٍ = فتركنَ كلَّ قرارةٍ كالدِّرهمِ
سحّاً وتسكاباً فكلُّ عشيَّةٍ = يجري عليها الماءُ لم يتصرَّمِ
وخلا الذُّبابُ بها فليسَ ببارحٍ = غرداً كفعلِ الشَّاربِ المترنِّمِ
غرداً يحكَّ ذراعهُ بذراعهِ = قدحَ المكبِّ على الزِّنادِ الأجذمِ
تمسي وتصبح فوقَ ظهرِ حشيَّةٍ = وأبيتُ فوقَ سراةِ أدهمَ ملجمِ
وحشيَّتي سرجٌ على عبلِ الشَّوى = نهدٍ مراكلهُ نبيلُ المحزمِ
هل تبلغنِّي دارها شدنيَّةٌ = لعنتْ بمحرومِ الشَّرابِ مصرَّمِ
خطَّارةٌ غبَّ السُّرى زيَّافةٌ = تطسُ الإكامَ بوقعِ خفٍّ ميثمِ
وكأنما أقصُ الإكامَ عشيَّةً = بقريبِ بينَ المنكبينِ مصلَّمِ
تأوي لهُ قلصِ النَّعامِ كما أوتْ = حزقٌ يمانيةٌ لأعجمَ طمطمِ
يتبعنَ قلَّةَ رأسهِ وكأنَّهُ = حرجٌ على نعشٍ لهنَّ مخيَّمُ
صعلٍ يعوذُ بذي العشيرةِ بيضهُ= كالعبد ذي الفرو الطِّوالِ الأصلمِ
شربتُ بماءِ الدُّحرضينِ فأصبحتْ = زوراءَ تنفرُ عن حياضِ الدَّيلمِ
وكأنَّما ينأى بجانبِ دفِّها ال = وحشي من هزجِ العشيّ مؤوَّمِ
هرٌّ جنيبٌ كلَّما عطفت لهُ = غضبى اتَّقاها باليدينِ وبالفمِ
بركتْ على جنبِ الرِّداعِ كأنما = بركتْ على قصبٍ أجشَّ مهضَّمِ
وكأنَّ رباً أو كحيلاً معقداً = حشَّ الوقودَ به جوانبُ قمقمِ
ينباعُ من ذفرى غضوبٍ حرَّةٍ = زيَّافةٍ مثلِ الفنيقِ المكدمِ
إن تُغدفي دوني القناعَ فإنَّني = طبٌّ بأخذِ الفارسِ المستلئمِ
أثني عليَّ بما علمتِ فإنَّني = سمحٌ مُخالقتي إذا لم أُظلمِ
فإذا ظلمتُ فإنَّ ظلميَ باسلٌ = مرٌّ مذاقتهُ كطعمِ العلقمِ
ولقدْ شربتُ منَ المدامةِ بعدَما = ركدَ الهواجرُ بالمشوفِ المعلمِ
بزجاجةٌ صفراءَ ذاتَ أسرَّةٍ = قُرنتْ بأزهرَ في الشِّمالِ مفدَّمِ
فإذا شربتُ فإنَّني مستهلكٌ = مالي وعِرضي وافرٌ لمْ يُكلمِ
وإذا صحوتُ فما أُقصِّرُ عن ندًى = وكما علمتِ شمائلي وتكرُّمي
وحليلِ غانيةٍ تركتُ مجدَّلاً = تمكو فرائصهُ كشدقِ الأعلمِ
سبقتْ يدايَ لهُ بعاجلِ طعنةٍ = ورشاشِ نافذةٍ كلونِ العندمِ
هلاَّ سألتِ القوم يا ابنةَ مالكٍ = إنْ كنتِ جاهلةً بما لمْ تعلمي
إذْ لا أزالُ على رحالةِ سابحٍ = نهدٍ تعاورهُ الكماةُ مكلَّمِ
طوراً يعرِّضُ للطّعانِ وتارةً = يأوي إلى حصدِ القسيِّ عرمرمِ
يُخبركِ منْ شهدَ الوقيعةَ أنَّني = أغشى الوغى وأعفُّ عندَ المغنمِ
ومدجَّجٍ كرهَ الكماةُ نزالهُ = لا مُمعنٍ هرباً ولا مستسلمِ
لمَّا رآني قد نزلتُ أُريدهُ = أبدى نواجذهُ لغيرِ تبسُّمِ
جادتْ يدايَ لهُ بعاجلِ طعنةٍ = بمثقَّفِ صدقِ الكعوبِ مقوَّمِ
فشككتُ بالرُّمحِ الأصمِّ ثيابهُ = ليسَ الكريمُ على القنا بمحرَّمِ
ومشكِّ سابغةٍ هتكتُ فروجَها = بالسَّيفِ عن حامي الحقيقةِ معلمِ
رِبذٍ يدلهُ بالقداحِ إذا شتا = هتَّاكِ راياتِ التّجارِ ملوَّمِ
فطعنتهُ بالرُّمحِ ثمَّ علوتهُ = بمهنَّدٍ صافي الحديدةِ مخذمِ
فتركتهُ جزرَ السِّباعِ ينشنَهُ = يقضمنَ قلَّةَ رأسهِ والمعصمِ
عهدي به مدَّ النَّهارِ كأنَّما = خضبَ البنانُ ورأسهُ بالعظلمِ
بطلٌ كأنَّ ثيابهُ في سرحةٍ = يُحذى نعالَ السِّبتِ ليسَ بتوأمِ
يا شاةَ ما قنصٍ لمنْ حلَّتْ لهُ = حرمتْ عليَّ وليتَها لم تحرمِ
فبعثتُ جاريتي فقلتُ لها اذهبي = فتحسَّسي أخبارَها لي واعلمي
قالتْ رأيتُ من الأعادي غرَّةً = والشَّاةُ ممكنةٌ لمنْ هو مرتمي
فكأنَّما التفتتْ بجيدِ جدايةٍ = رشاءٍ من الغزلانِ حرٍّ أرثمِ
نُبِّئتُ عمراً غيرَ شاكرِ نعمتي= والكفرُ مخبثةٌ لنفسِ المنعمِ
ولقد حفظتُ وصاةَ عمِّي بالضُّحى= إذْ تقلصُ الشَّفتانِ عن وضحِ الفمِ
في حومةِ الموتِ التي لا تشتكي = غمراتِها الأبطالُ غيرَ تغمغُمِ
إذ يتَّقونَ بي الأسنَّةَ لم أخمْ = عنها ولكنِّي تضايقَ مُقدمي
لمَّا رأيتُ القومَ أقبلَ جمعهمْ = يتذامرونَ كررتُ غيرَ مذمَّمِ
يدعونَ عنترَ والرِّماحُ كأنَّها = أشطانُ بئرٍ في لبانِ الأدهمِ
فازورَّ من وقعِ القنا بلبانهِ = وشكا إليَّ بعبرةٍ وتحمحمِ
لو كانَ يدري ما المخاطبةُ اشتكَى = ولكانَ لو علمَ الكلامَ مكلِّمي
ما زلتُ أرميهمْ بثغرةِ نحرهِ = ولبانهِ حتَّى تسربلَ بالدَّمِ
ولقدْ شفَى نفسي وأبرأَ سقمَها = قيلُ الفوارسِ ويكَ عنترَ أقدمِ
والخيلُ تقتحمُ الخَبارَ عوابساً = ما بينَ شيظمةٍ وأجردَ شيظمِ
ذُللٌ ركابي حيثُ شئتُ مُشايعي = لبِّي وأحفزهِ بأمرٍ مبرمِ
ولقدْ خشيتُ بأنْ أموتَ ولم تدرْ = في الحربِ دائرةٌ على ابنيْ ضمضمِ
الشَّاتمي عرضي ولمْ أشتمُها = والناذرينِ إذا لم ألقهما دمي
إنْ يفعلا فلقدْ تركتُ أباهُما = جزرَ السِّباعِ وكلُّ نسرٍ قشعمِ
¥