تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[04 - 05 - 2008, 06:09 ص]ـ

مقتطفات من حياة الشاعر مجنون بني عامر ([1])

قال أبو عبيدة: كان مجنون بني عامر ([2]) يهوى ليلى، وهما حينئذ صبيان، فعلق كل واحد منهما صاحبه وهما يرعيان مواشي أهلهما. فلم يزالا كذلك حتى كبرا فحجبت عنه.

وهو يقول في ذلك شعراً:

تعلَّقتُ ليلى وهي ذاتُ ذوائبٍ = ولم يَبْدُ للأترْاب ([3]) من ثَدْيها حَجْمُ صغيرين نرعى البَهْمَ ([4]) يا ليتَ أننا = إلى اليومِ لم نكْبَر ولم تكبَرِ البَهْمُ

ولما شُهر أمر المجنون وليلى وتناشد الناس شعره فيها، خطبها وبذل لها خمسين ناقة حمراء. وخطبها ورد بن محمد العقلي وبذل لها عشراً من الإبل وراعيتها. فقال أهلها: نحن مخيروها بينكما فمن اختارت تزوجته. ودخلوا إليها فقالوا: والله لئن لم تختاري ورد لنمثلن بك. فاختارت ورداً على كره منها.

وقيل إن أبا المجنون وأمه ورجال عشيرته اجتمعوا إلى أبي ليلى فوعظوه وناشدوه الله والرحم وقالوا له: إن هذا الرجل لهالك. وإنك فاجع به أباه وأهله. فو الله ما هي أشرف منه ولا لك مثل مال أبيه وقد حكمك في المهر، وإن شئت أن يخلع نفسه من ماله فعل فأبى وحلف بالله وبطلاق أمها أنه لا يزوجها إياه أبداً. وقال: أفضح نفسي وعشيرتي وآتي ما لم يأته أحد من العرب، وأسم ([5]) ابنتي بميسم فضيحة. فانصرفوا عنه. فخالفهم لوقته فزوجها.

وبلغ الخبر قيساً فأيس منها وزال عقله جملة. فقال الحي لأبيه: أحجج به إلى مكة وادع الله له، ومره أن يتعلق بأستار الكعبة فيسأل الله أن يعافيه مما به ويبغضها إليه، فلعل الله أن يخلصه من هذا البلاء. فحج به أبوه ثم قال له: تعلق بأستار الكعبة واسأل الله أن يعافيك من حب ليلى، فتعلق وقال: اللهم زدني لليلى حباً وبها كَلَفاً ولا تنسني ذكرها أبداً. فهام حينئذٍ واختلط ([6]) ولم يضبط. وكان يهيم في البرية مع الوحشي ولا يأكل إلا مما ينبت في البرية من بقل ولا يشرب إلا مع الظباء إذا وردت مناهلها. وطال شعر جسده ورأسه وألفته الظباء والوحوش فكانت لا تنفر منه.

وقال العتبي:

كان المجنون وليلى يرعيان وهما صبيان عند جبل في بلادهما يقال له: التوباد. فلما ذهب عقله وتوحش كان يجيء إلى ذلك الجبل فيقيم فيه. فإذا تذكر أيام كان يطيف هو وليلى به جزع جزعاً شديداً واستوحش فهام على وجهه حتى يأتي نواحي الشام. فإذا ثاب ([7]) إليه عقله رأى بلداً لا يعرفه فيقول للناس الذين يلقاهم: بأبي أنتم، أين التوباد من أرض بني عامر؟ فيقال له: وأين أنت من أرض بني عامر أنت بالشام عليك بنجم كذا فأمه ([8]) فيمضي على وجهه نحو ذلك النجم حتى يقع بأرض اليمن فيرى بلاداً ينكرها، وقوماً لا يعرفهم، فيسألهم عن التوباد وأرض بني عامر، فيقولون وأين أنت من أرض بني عامر. عليك بنجم كذا وكذا. فلا يزال كذلك حتى يقع على التوباد، فإذا رآه قال:

وأجهشت ([9]) للتوبادِ حينَ رأيتُه = وكبرَ للرحمنِ حينَ رآني

فقلتُ له أين الذين عَهِدْتُهمْ = بقربِك في حِفْظٍ وطيبِ زمانِ

فقال مَضَوا واستودَعوني بلادَهُمْ = ومَن ذا الذي يَبقى على الحَدَثان ([10])

وقيل كان المجنون يقصد منزل ليلى الذي كان بيتها فيه، فيلصق صدره به ويجعل يمرِّغ خديه على ترابه ويبكي ويعود إلى البراري. وكانت امرأة تصنع له طعامه وتأتيه به. وجاءت يوماً إلى الطعام فوجدته بحاله. وجاء أهله فطلبوه فلم يجدوه. وغدوا في الرابع يستقرون أثره فوجدوه في واد كثير الحجارة خشنٍ وهو ميت. فاحتملوه، فغسلوه وكفنوه ودفنوه. فلم تبق فتاة إلا خرجت حاسرةً صارخة عليه تندبه.

وقيل لقيس قبل أن يُخَالَط: ما أعجب شيء أصابك في وجدك ([11]) بليلى؟ قال: طرقنا ([12]) ذات ليلة أضياف ولم يكن عندنا أدم ([13]). فبعثني أبي إلى منزل أبي ليلى وقال لي: اطلب لنا منه أدماً. فأتيته فوقعت على خبائه فصحت به. فقال: ما تشاء؟ فقلت: طرقنا ضيفان ولا أدم عندما لهم، فأرسلني أبي نطلب منك أدماً. فقال: يا ليلى، أخرجي إليه ذلك النحي ([14]) فاملئي له إناءه من السمن. فأخرجته ومعي قعب ([15])، فجعلت تصب السمن فيه ونتحدث. فألهانا الحديث وهي تصب السمن وقد امتلأ القعب ولا نعلم جميعاً، وهو يسيل حتى استنقعت أرجلنا في السمن.

وقال: أتيتهم ليلة ثانية أطلب ناراً، وأنا متلفع ببردٍ ([16]) لي. فأخرجت لي ناراً في عطبة ([17]) فأعطتنيها ووقفنا نتحدث. فلما احترقت العطبة خرقت من بردي خرقة وجعلت النار فيها. فكلما احترقت خرقت أخرى وأذكيت بها النارحتّى لم يبق علي من البرد إلا ما وارى عورتي، وما أعقل ما أصنع.

===============

المصادر والشروح والتعليقات:

([1]) ـ أغاني الأغاني

([2]) هو قيس بن الملوح بن عامر، وليلى صاحبته هي بنت سعد بن عامر

([3]) الذوائب: واحدها ذؤابة: شعر مقدم الرأس، وكان يضفر للفتيات الصغيرات.

جمع تِرْب وهي المجايل في العمر

([4]) البهم مفرده: بهمة أي الصغير من ماشية الضأن.

([5]) وسم فلاناً بكذا: ميزه به.

([6]) اختلط عقله: جن وفسد عقله

([7]) ثاب: رجع

([8]) أي فاقصده، أي راقب النجم ليلاً وسر باتجاهه.

([9]) أجهش: هم بالبكاء وتهيأ له.

([10]) الحدثان: حوادث الدهر.

([11]) الوجد: الحب الشديد.

([12]) طرق طروقاً: زار في الليل.

([13]) الأدم: ما يجعل مع الخبز أو في الطبخ ليؤتدم به.

([14]) النحي: الزق الذي يوضع فيه السمن خاصة.

([15]) العب: القدح من الخشب غليظ ومقعر.

([16]) البرد: ثوب مخطط، أو موشى يلتحف به.

([17]) العطبة: خرقة تؤخذ بها النار.

مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 104 السنة السادسة والعشرون - كانون الأول 2006 - ذو الحجة 1427

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير