ومن شعر التهامي:
قالوا: قُتِلْتَ بصارمٍ من طرفِهِ ... فيما زعمتَ وما نراهُ بِقانِ
فأجبتُ: خيرُ البِيض ما سفك الدّما ... فمضى ولم يتخضَّبِ الغَرْبانِ
ومنه:
لولاهُ لم يقضِ في أعدائهِ قَلَمٌ ... ومِخلبُ الليث لولا الليثُ كالظُّفُرِ
ما صَلَّ إلاَّ وصلَّتْ بِيضُ أنصُلِهِ ... في الهامِ أو أطّتِ الأرماحُ في الثُّغُرِ
وغادرتْ في العدى طعناً يحفُّ بهِ ... ضربٌ كما حفَّتِ الأعكانُ بالسُّرَرِ
قلت: ومن هذه المادة قول الآخر:
خرقنا بأطراف القنا في ظهورهمْ ... عيوناً لها وقعُ السيوفِ حواجبُ
وقال التهامي في الثريَّا والمجرَّة:
وللمجرَّة فوق الأرض مُعْتَرَضٌ ... كأنَّها حَبَبٌ تطفو على نَهَرِ
وللثريَّا ركودٌ فوق أَرحُلِنا ... كأنَّها قطعةٌ من فروة النَّمِرِ
وقال:
يحكي جنى الأَقحوانِ الغضِّ مَبْسِمُها ... في اللونِ والريحِ والتفليجِ والأشَرِ
لو لم يكن أُقحواناً ثغرُ مبسمِها ... ما كان يزدادُ طِيباً ساعَةَ السَّحَرِ
وقال:
كأنَّ على الجوِّ فضفاضةً ... مساميرها فضةٌ أو ذهبْ
كأنَّ كواكبهُ أعينٌ ... تُراعي سنا الفجرِ أو ترتقبْ
فلمَّا بدا صفَّقتْ هيبةً ... تُسَتِّر أحداقها بالشُّهُبِ
وشقَّتْ غلائلَ ضوء الصباحِ ... فلا هو بادٍ ولا محتجبِ
وقال:
كأنَّ سنانَ الرمح سلكٌ لناظمٍ ... غَداة الوغى والدَّارِعون جواهرُ
تَرُدُّ أنابيبُ الرماح سواعداً ... ومن زَرَدِ الماذيِّ فيها أساورُ
وقال:
هو الطاعنُ النجلاءَ لا يبلغ امرؤٌ ... مداها ولو أنَّ الرماحَ مسابرُ
يلبّيه من آل المفرّج إن دعا ... أسودٌ لها بيضُ السيوفِ أظافرُ
تراهُ لقرعِ البِيضِ بالبِيضِ مُصغياً ... كأنَّ صليلَ الباتراتِ مزاهرُ
وحفَّتْ به الآمالُ من كلِّ جانبٍ ... كما حفَّ أرجاءَ العيونِ المحاجرُ
وله القصيدة الرائيَّة المشهورة التي رثى بها ابنه، وقد سارت مسير الشمس، وهي:
حكمُ المنيَّةِ في البريَّةِ جارِ ... ما هذه الدُّنيا بدار قرارِ
بينا يُرى الإنسانُ فيها مُخبراً ... حتَّى يُرى خبراً من الأَخبارِ
طُبِعَتْ على كَدَرٍ وأنت تريدها ... صفواً من الأقذاءِ والأكدارِ
ومكلِّفُ الأيَّامِ ضدَّ طباعها ... متطلِّبٌ في الماءِ جَذوةَ نارِ
وإذا رجوتَ المستحيلَ فإنَّما ... تبني الرجاءَ على شفيرٍ هارِ
العيشُ نومٌ والمنيَّةُ يقظةٌ ... والمرءُ بينهما خيالٌ سارِ
فاقْضوا مآربكم عِجالاً إنَّما ... أعمارُكم سَفَرٌ من الأسفارِ
وتراكضوا خيلَ الشبابِ وبادروا ... أن تُسْتَرَدَّ فإنَّهنَّ عَوارِ
فالدهر يخدع بالمنى ويُغِصَّ إنْ ... هَنَّا ويهدم ما بنى ببَوارِ
ليس الزمانُ وإن حرصتَ مسالماً ... خُلُقُ الزمانِ عداوَةُ الأحرارِ
إنِّي وُتِرْتُ بصارمٍ ذي رَوْنَقٍ ... أعددتُه لطلابةِ الأوتارِ
أُثني عليه بأثرِهِ ولو أنَّهُ ... لو يُغْتَبَط أثنيتُ بالآثارِ
يا كوكباً ما كانَ أقصرَ عمرَهُ ... وكذا تكون كواكبُ الأسحارِ
وهلالَ أيَّامٍ مضى لم يستدرْ ... بدراً ولم يُمْهَلْ لوقتِ سِرارِ
عَجِلَ الخُسوفُ عليه قبل أوانِهِ ... غطَّاهُ قبل مَظِنَّةِ الإبدارِ
واستُلَّ من أقرانِهِ ولداتِهِ ... كالمُقلَةِ استُلَّتْ من الأشفارِ
فكأنَّ قلبي قبرُهُ وكأنَّهُ ... في طيِّهِ سِرٌ من الأسرارِ
إنْ تَحْتَقِرْ صغراً فربَّ مُفخَّمٍ ... يبدو ضئيلَ الشخص للنُّظَّارِ
إنَّ الكواكبَ في علوِّ محلِّها ... لَتُرى صِغاراً وهي غيرُ صغارِ
وَلَدُ المعزَّى بعضُهُ فإذا مضى ... بعضُ الفتى فالكلُّ في الآثارِ
أبكيهِ ثمَّ أقولُ معتذراً لهُ: ... وُفِّقْتَ حينَ تركتَ ألأم دارِ
جاورتُ أعدائي وجاورَ ربَّهُ ... شتَّانَ بين جوارهِ وجواري
أشكو بعادك لي وأنت بموضعٍ ... لولا الرَّدى لسمعتَ فيه سِراري
ما الشرقُ نحو الغرب أبعدَ شُقَّةً ... من بُعد تلك الخمسةِ الأشبارِ
هيهاتَ قد علِقتكَ أسبابُ الرَّدى ... وأبادَ عمرَك قاصمُ الأعمارِ
ولقد جريتَ كما جريتُ لغايةٍ ... فبلغتَها وأبوكَ في المِضمارِ
فإذا نطقتُ فأنتَ أوَّلُ مَنطقي ... وإذا سكتُّ فأنت في إضماري
أُخفي من البُرَحاءِ ناراً مثلَ ما ... يُخفي من النارِ الزنادُ الواري
وأُخفِّضُ الزَّفَراتِ وهي صواعدٌ ... وأُكفكفُ العَبَراتِ وهي جَوارِ
وأكُفُّ نيرانَ الأسى ولربَّما ... غُلِبَ التصبُّرُ فارتمتْ بشَرارِ
¥