وشهاب زَند الحزن إن طاوعتهُ ... وارٍ وإن عاصيتهُ متوارِ
ثوبُ الرئاءِ يشِفُّ عمَّا تحتهُ ... فإذا التحفتَ بهِ فإنَّكَ عارِ
قصُرَتْ جفوني أم تباعد بينها ... أمْ صُوِّرَتْ عيني بلا أشفارِ
جَفَتِ الكرى حتَّى كأنَّ غِرارهُ ... عند اغتماضِ الطرف حدُّ غِرارِ
ولوِ استعارتْ رقدةً لدحا بها ... ما بين أجفاني من التيَّارِ
أُحيي ليالي التِّمِّ وهي تُميتُني ... ويُميتهنَّ تبلُّجُ الأسحارِ
والصبحُ قد غمرَ النجومَ كأنَّهُ ... سيلٌ كما فطفا على النُوَّارِ
لو كنتَ تُمنعُ خاض دونك فتيةٌ ... منَّا بُحُرَ عواملٍ وشِفارِ
فدَحَوْا فُويقَ الأرضِ أرضاً من دمٍ ... ثمَّ انثنَوا فبنَوا سماء غُبارِ
قومٌ إِذا لبسوا الدروع حسبتَها ... سُحُباً مُزَرَّرةً على أقمارِ
وترى سيوفَ الدارعينَ كأنَّها ... خُلُجٌ تُمَدُّ بها أكفُّ بحارِ
لو أشرعوا أيمانهم من طولها ... طعنوا بها عِوَضَ القنا الخطَّارِ
شُوسٌ إِذا عدِموا الوغى انتجعوا لها ... في كلِّ آنٍ نُجعَةَ الأمطارِ
جنبوا الجيادَ إلى المطيِّ فراوحوا ... بين السروج هناك والأكوارِ
وكأنَّهم ملأوا عِيابَ دروعهمْ ... وغُمودَ أنصُلِهم سرابَ قفارِ
وكأنَّما صَنَعُ السوابغِ غَرَّهُ ... ماءُ الحديدِ فصاغَ ماءَ قَرارِ
زَرَداً وأحكم كلَّ مَوْصِلِ حلقةٍ ... بحَبابةٍ في موضع المسمارِ
فتدرَّعوا بمتون ماءٍ راكدٍ ... وتقنَّعوا بحَباب ماءٍ جارِ
أُسْدٌ ولكن يؤثرون بزادهمْ ... والأُسدُ ليس تدين بالإيثارِ
يتعطَّفونَ على المُجاورِ فيهمُ ... بالمُنْفِسات تعطُّفَ الآظارِ
يتزيَّنُ النادي بحُسن وجوههمْ ... كتزيُّنِ الهالات بالأقمارِ
من كلِّ مَن جعل الظُّبى أنصارَهُ ... وكَرُمْنَ فاستغنى عنِ الأنصارِ
والليثُ إن ساورْتَهُ لم يَتِّكِل ... إلاَّ على الأنيابِ والأظفارِ
وإذا هو اعتقل القناةَ حسبتَها ... صِلاًّ تأبَّطَهُ هِزَبْرٌ ضارِ
زَرَدُ الدِّلاصِ من الطِّعان برمحهِ ... مثل الأساور في يد الإسوارِ
ويجرُّ ثمَّ يجرُّ صعدَةَ رمحِهِ ... في الجحفلِ المتضايقِ الجرَّارِ
ما بين ثوبٍ بالدماء مُضَمَّخٍ ... خَلَقٍ ونقعٍ بالطِّراد مُثارِ
والهُونُ في ظِلِّ الهُوَيْنا كامنٌ ... وجلالةُ الأخطارِ في الإخطارِ
تندى أسِرَّةُ وجههِ ويمينهُ ... في حالةِ الإعسارِ والإيسارِ
يحوي المعاليَ خالِباً أو غالباً ... أَبداً يُدارى دونها ويُداري
ويمدُّ نحو المكرُماتِ أناملاً ... للرزقِ في أثنائهنَّ مجارِ
قد لاحَ في ليل الشباب كواكبٌ ... إن أُمهلتْ آلتْ إلى الإسفارِ
وتلَهُّبُ الأحشاءِ شيَّبَ مَفْرقي ... هذا الضياءُ شُواظُ تلك النارِ
شابَ القَذالُ وكلُّ غصنٍ صائرٌ ... فَينانهُ الأحوى إلى الأزهارِ
والشبه منجذبٌ فلِمْ بيضُ الدُّمى ... عن بيضِ مفرقهِ ذواتُ نفارِ؟
وتوَدُّ لو جعلتْ سوادَ قلوبها ... وسوادَ أعينها خِضابَ عِذاري
لا تنفر الظَّبيات منهُ فقد رأت ... كيف اختلافُ النبت في الأطوارِ
شيئان ينقشعان أوَّلَ وهلةٍ ... ظلُّ الشباب وصُحبةُ الأشرارِ
لا حبَّذا الشيبُ الوفيُّ وحبَّذا ... شرخُ الشبابِ الخائنِ الغدَّارِ
وَطَري من الدُّنيا الشباب ورَوقهُ ... فإذا انقضى فقد انقضتْ أوطاري
قَصُرَتْ مسافتُهُ وما حسناتُهُ ... عندي ولا آلاؤُهُ بقصارِ
نزداد همًّا كلَّما ازددنا غنًى ... فالفقر كلُّ الفقرِ في الإكثارِ
ما زاد فوق الزادِ خُلِّفَ ضائعاً ... في حادثٍ أو وارثٍ أو عارِ
إنِّي لأرحم حاسدِيَّ لحرِّ ما ... ضمَّت صدورهمُ من الأوغارِ
نظروا صنيع الله بي فعيونُهمْ ... في جنَّةٍ وقلوبهم في نارِ
لا ذنبَ لي قد رمتُ كتمَ فضائلي ... فكأنَّني بَرْقَعْتُ وجهَ نهارِ
وسترتها بتواضعي فتطلَّعَت ... أعناقها تعلو على الأستارِ
ومن الرجال مجاهلٌ ومعالمٌ ... ومن النجوم غوامضٌ ودراري
والناسُ مشتبهون في إيرادهمْ ... وتباينُ الأقوام في الإصدارِ
عَمْري لقد أوطأتُهم طُرُقَ العُلى ... فعمُوا ولم يطأوا على آثاري
لو أبصروا بعيونهم لاستبصروا ... لكنَّها عميتْ عن الإبصارِ
أَلا سعَوا سعيَ الكرام فأدركوا ... أو سلّموا لمواقع الأقدارِ
ذهبَ التكرُّمُ والوفاءُ من الوَرَى ... وتصرَّما إلاَّ من الأشعارِ
وفشتْ جنايات الثقات وغيرهمْ ... حتَّى اتَّهمنا رؤيةَ الأبصارِ
ولربَّما اعتضد الحليمُ بجاهلٍ ... لا خير في يُمنى بغير يسارِ
ورثى ابنه بقصيدة أخرى رائية، أوَّلها:
أبا الفضل طال اللَّيلُ أم خانني صبري ... فخُيِّلَ لي أنَّ الكواكبَ لا تسري
وله فيه غير ذلك. ومن شعره:
أبرزنَ من تلك العيون أسِنَّةً ... وهززْن من تلك القيود رماحا
يا حبَّذا ذاك السلاحُ وحبَّذا ... وقتٌ يكون الحُسنُ فيه سلاحا
أهوى الفتى يُعلي جناحاً في العلى ... أبداً ويخفض للجليس جناحا
وأُحِبُّ ذا الوجهين وجهاً في الندى ... نَدِياً ووجهاً في اللقاء وَقاحا
ومنه:
يرمي الكتيبَةَ بالكتاب إليهمُ ... فيرون أحرفهُ الخميسَ كفاحا
مِن نِقْسِهِ دُهماً ومن ميماتهِ ... زَرَداً ومن أَلِفاتهِ أرماحا
ومنه:
خليليَّ هل من رقدةٍ أستعيرها ... لعلِّي بأحلام الكرى أستزيرها
ولو علمتْ بالطيف عاقتهُ دوننا ... لقد أفرطتْ بخلاً بما لا يضيرها
ومنه:
تهيمُ ببدرٍ والتَّنَقُّلُ والنوى ... على البدرِ محتومٌ فهل أنت صابرُ؟
لهُ من سنا الفجرِ المُوَرَّدِ غُرَّةٌ ... ومن حَلَكِ الليل البهيمِ غَدائرُ
ومنه:
وكم رجلٍ أثوابه فوق قدرهِ ... وقد يُلْبَسُ السِّلْكُ الجمانَ الفرائدا
فلا يُعْجِبَنْ ذا البخلِ كثرةُ مالهِ ... فإنَّ الشَّغا نقصٌ وإن كان زائدا"
دمت بخير
¥