تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

السلام: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ) إلى آخر السورة. ثم ذكر الأخبار التي رُويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الشيطان يجري من ابن آدمَ مَجرى الدم (1). ثم قال ابن إسحاق (2): وإنما أمرُ ابن آدم فيما بينه وبين عدوِّ الله، كأمره فيما بينه وبين آدم. فقال الله: (فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) [سورة الأعراف: 13]. ثم خلص إلى آدم وزوجته حتى كلمهما، كما قصَّ الله علينا من خبرهما، فقال: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى) [سورة طه: 120]، فخلص إليهما بما خلص إلى ذريته من حيث لا يريانه - فالله أعلمُ أيّ ذلك كان - فتابا إلى ربهما.

* * *

قال أبو جعفر: وليس في يقين ابن إسحاق - لو كان قد أيقن في نفسه - أن إبليس لم يخلص إلى آدم وزوجته بالمخاطبة بما أخبر الله عنه أنه قال لهما وخاطبهما به، ما يجوز لذي فهم الاعتراضُ به على ما ورد من القول مستفيضًا من أهل العلم، مع دلالة الكتاب على صحة ما استفاض من ذلك بينهم. فكيف بشكّه؟ والله نسأل التوفيق)).

التعليق:

أولاً: يمكن الرجوع إلى روايات السلف في هذه الآية إلى تفسير الطبري لتكتمل الصورة للقارئ الكريم، وقد تركتها لئلا يطول النقل.

ثانيًا: لقد رسم الطبري في هذا المثال كيفية التعامل العقلي المبني على الاجتهاد في مثل هذه الأخبار، ولم تره اعتمد الخبر لأنه خبر إسرائيلي، بل اعتمده لأجل أمور أخرى، وإليك تلك الأمور:

الأول: وأولى ذلك بالحق عندنا ما كان لكتاب الله مُوافقًا.

إن هذا الضابط مهم للغاية، ولا يكاد يختلف عليه اثنان، لكن المهم هنا أن تحليل الإسرائيلية التي اختلط فيها الحق بالباطل تحتاج إلى التذكير بهذا الضابط المهم، لذا ترى الطبري (ت: 310) يقول: ((وقد رُويت هذه الأخبار - عمن رويناها عنه من الصحابة والتابعين وغيرهم - في صفة استزلال إبليس عدوِّ الله آدمَ وزوجتَه حتى أخرجهما من الجنة. وأولى ذلك بالحق عندنا ما كان لكتاب الله مُوافقًا)). فهو على دراية بما في الأخبار من مشكلات نقلية تحتاج إلى عرض على كتاب الله تعالى.

وقد أشار في رده على ابن إسحاق إلى وجه آخر في هذا الضابط، فقال: (( ... مع دلالة الكتاب على صحة ما استفاض من ذلك بينهم))، وهذا ذكره للردِّ على تأويل ابن إسحاق المخالف لتأويل جميع المتأوِّلين من السلف.

الثاني: وذلك أنه غير مَعقول في كلام العرب أن يقال ...

هذا الضابط الثاني من الضوابط المهمة، فالخبر وإن كان عن ماضين؛ إلا إنه نزل بلسان عربي مبين، فما يرد عن هذا الخبر من مرويات بني إسرائيل فإنه لا يُقبل إذا خالف دلالة اللغة، كما ذهب إليه الطبري في المقطع الآتي من كلامه، قال: ((ففي إخباره جل ثناؤه - عن عدوّ الله أنه قاسم آدم وزوجته بقيله لهما: إني لكما لمن الناصحين - الدليلُ الواضح على أنه قد باشر خطابهما بنفسه، إما ظاهرًا لأعينهما، وإما مستجِنًّا في غيره. وذلك أنه غير مَعقول في كلام العرب أن يقال: قاسم فلانٌ فلانًا في كذا وكذا. إذا سبّب له سببًا وصل به إليه دون أن يحلف له. والحلف لا يكون بتسبب السبب. فكذلك قوله"فوسوس إليه الشيطان"، لو كان ذلك كان منه إلى آدم - على نحو الذي منه إلى ذريته، من تزيين أكل ما نهى الله آدم

عن أكله من الشجرة، بغير مباشرة خطابه إياه بما استزلّه به من القول والحيل - لما قال جلّ ثناؤه:"وقاسمَهما إني لكما لمن الناصحين". كما غير جائز أن يقول اليوم قائلٌ ممن أتى معصية: قاسمني إبليس أنه لي ناصحٌ فيما زيَّن لي من المعصية التي أتيتها. فكذلك الذي كان من آدمَ وزوجته، لو كان على النحو الذي يكون فيما بين إبليس اليومَ وذرية آدم - لما قال جلّ ثناؤه:"وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين"، ولكن ذلك كان - إن شاء الله - على نحو ما قال ابن عباس ومن قال بقوله)).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير