تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا يعني أن أي قول مخالف للغة فإنه لا يقبل تفسيرًا للخبر، لذا ترى الطبري يؤكِّد على دلالة لفظ (وقاسمهما) الذي يدل على مباشرتهما في الخطاب، ودلالة هذا اللفظ أصرح من دلالة الوسوسة التي قد تدلُّ على المباشرة بالخطاب بشيء من الخفاء في الصوت، أو الإلقاء في القلب كما هو الحال في وسوسة الجنِّ للإنس كما قال تعالى: (من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس)، على أحد التفسيرين في الآيةمعنى (من).

وبهذا تعلم أنه لا يستقيم ما ذكره عن ابن إسحاق في قوله: (فخلص إليهما بما خلص إلى ذريته من حيث لا يريانه)، كيف والمقاسمة حلف؟! ولا يكون حلف إلا بمباشرته خطابهما.

وتراه كذلك ـ في آخر كلامه ـ قد نقد ابن إسحاق الذي ذهب بمعنى الآية إلى الوسوسة، ولم يثبت وقوع الخطاب بينهم، فاعترض عليه

الثالث: فليس فيما رُوي عن ابن عباس ووهب بن منبه في ذلك معنى يجوز لذي فهم مُدافعته، إذ كان ذلك قولا لا يدفعه عقل ولا خبر يلزم تصديقه من حجة بخلافه، وهو من الأمور الممكنة.

هذا الضابط قلِّما يتنبه إليه من يدرس الإسرائيليات، وهو يدخل في باب التحليل التاريخي، وهو مهم جدًّا في تحليل الأخبار الإسرائيلية، فيمكن أن يضع الدراس أسئلة لهذا الخبر الذي ورد عن ابن عباس ووهب بن منبه، وهو (خبر الحيَّة)، ورواية عطاء عن ابن عباس، قال: ((قال: إن عدو الله إبليس عرض نفسه على دوابِّ الأرض أيُّها يحمله حتى يدخل الجنة معها ويكلم آدم وزوجته فكلّ الدواب أبى ذلك عليه، حتى كلَّم الحية فقال لها: أمنعك من ابن آدم، فأنت في ذمتي إن أنت أدخلتِني الجنة. فجعلته بين نابين من أنيابها، ثم دخلت به، فكلمهما من فيها؛ وكانت كاسية تمشي على أربع قوائم، فأعراها الله وجعلها تمشي على بطنها. قال: يقول ابن عباس: اقتلوها حيث وَجَدتُموها، أخفروا ذمَّةَ عدوّ الله فيها))، وفي الروايات الأخرى عنهما زيادة غير هذه.

وهذه الأسئلة:

هل تصح مدافع خبر الحية الوارد عن ابن عباس ووهب بن منبه؟

هل يردُّ العقل خبر الحية؟

هل هناك خبر عن معصوم يردُّ خبر الحية؟

هل خبر الحية من الأمور الممكنة أو من الأمور غير الممكنة؟

إن النظر إلى الإسرائلية بهذا النظر سيجعل احتمال بعض الإسرائيليات مقبولاً؛ لأنها لا تخالف هذه الأسئلة، واحتمالها لا يلزم منه قبولها قبولاً مطلقًا كما يُقبل الخبر من الوحي الصادق.

الرابع: تتابع أقوال أهل التأويل على تصحيح ذلك.

إن هذا من الضوابط المهمة ـ أيضًا ـ لأنَّ تتابع عقول السلف على التحديث بهذا الخبر دون نكير منهم، فإن فيه دلالة على جواز التحديث به من جهة، واحتمال وقوع مجمل الخبر من جهة أخرى.

وبهذا الضابط اعترض على ابن إسحاق، فقال: ((وليس في يقين ابن إسحاق - لو كان قد أيقن في نفسه - أن إبليس لم يخلص إلى آدم وزوجته بالمخاطبة بما أخبر الله عنه أنه قال لهما وخاطبهما به، ما يجوز لذي فهم الاعتراضُ به على ما ورد من القول مستفيضًا من أهل العلم)).

ومن هنا أقول:

يحسن بطالب علم التفسير أن لا يعجل في النكير، وأن يتأمَّل في القائلين، وأن ينظر أمر استفاضة الخبر من عدمه بين السلف، فلا يركب طريق الاعتراض عليهم فيما هم عليه مجمعون أو هو مستفيض عنهم.

ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[12 Jul 2007, 05:59 م]ـ

شكر الله لك د. مساعد على هذه الوقفة والمطلع على مشاركاتك حول هذا السفر يكاد يجزم أنه أنيسك في سفرك وحضرك , وفقك الباري وننتظر باقي دررك.

ـ[أبو العالية]ــــــــ[12 Jul 2007, 06:57 م]ـ

الحمد لله، وبعد ..

تَنْكِيتٌ جميلٌ، واستعراض وتدليل نافع، نفع الله بكم أيها الشيخ المفيد.

وفيه ردٌ على من زعم منع رواية الإسرائليات في عصر الصحابة وأخذهم بها في التفسير.

بل فيه ردٌ على من تعنَّت في أن الصحابة رضوان الله عليهم _ سيما ابن عباس _ منع الرواية عنهم، واستدل برواية الصحيح، ولكنه لم يطالع الشرح وأغفله، ولو طالع لعلم توفيق القول وجود الرواية دونما إشكال، ولكنه التعنت للرأي والجمود عليه، والله المستعان.

والأمثلة تطول، والمنقول حجة في القبول.

ولفتة موفقة ونافعة لمن رام الحق.

ـ[أبو عمار المليباري]ــــــــ[17 Jul 2007, 12:47 ص]ـ

ومن الكتب التي اطعلت عليها في هذا الموضوع رسالة دكتوراه للباحثة: آمال محمد عبدالرحمن ربيع بعنوان: الإسرائيليات في تفسير الطبري: دراسة في اللغة والمصادر العبرية.ولأن الباحثة تجيد اللغة العبرية فقد كان لهذه الدراسة أهميتها حيث تمكنت وفقها الله من مراجعة هذه الإسرائليات وردها إلى أصولها العبرية مما أعطى للرسالة تميزاً أثبتت به صدق ما ذاع عن الإسرائيليات في التفسير والحديث. وقد قام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف في مصر بنشر هذه الرسالة سنة 1422هـ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير