تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إلا أن هذا التعريف يرد عليه أنه لا يضع حداً فاصلاً بين الخبر والإنشاء، إذ أن من أنواع الإنشاء التي ذكرها ما يصدق عليه التعريف، فالتعجب مثلاً في قولك: ما أحسن خلق محمد؛ جملة تفيد المخاطب أن محمداً بلغ غاية في حسن الخلق، والمدح في قولك: نعم الرجل محمد؛ جملة تفيد المخاطب مدح محمد، وكذا في الذم، أو في غيرها.

كما أن هذا التعريف يحصر الخبر في فائدتين حيث قال بعد التعريف: (والفائدة المباشرة هي ما يسميه البلغاء: فائدة الخبر، والفائدة الضمنية هي ما يسمونه: لازم الفائدة) والخبر لا يأتي لهاتين الفائدتين وإن كانتا أصليتين عند البلاغيين بالنسبة للفوائد الأخرى، ولذا فما لا ينطبق عليه التعريف فهو من الدلالات المجازية أو خروج الخبر عن مقتضى الظاهر؛ لأن الغرض فيه غير حقيقي.

ومن التعريفات التي استحسنها بعض أهل العلم أن الخبر: ما يتطرق إليه التصديق أو التكذيب (18)، قال الغزالي بعد أن ذكره: (وهو أولى من قولهم: يدخله الصدق والكذب؛ إذ الخبر الواحد لا يدخله كلاهما، بل كلام الله تعالى لا يدخله الكذب أصلاً، والخبر عن المحالات لا يدخله الصدق أصلاً) (19).

وذكر الشيخ ابن عثيمين في الخبر أنه: الكلام الدائر بين النفي والإثبات من قبل المتكلم، المقابل بالتصديق أو التكذيب من قبل المخاطب (20)، وهذا وصف حسن، يجمع بين بعض التعريفات التي ذكرها العلماء، ولا يرد عليه كثير إشكال، ولو اقتصر على الجزء الثاني لكان أسهل وأضبط، فيقال:

الخبر هو: الكلام الذي يقابل بالتصديق أو بالتكذيب.

وهذا ضابط سهل للمتعلمين، لأنه يضبط الخبر بأخص أوصافه الظاهرة، كما أنه لا يوقع في الحرج مع كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن "أو" في التعريف كما يظهر للتنويع ومنع الخلو، فأي كلام لا يخلو إما أن يقابل بالتصديق ومنه كلام الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو يقابل بالتكذيب.

وعلى هذا فإن التصديق والتكذيب ليس مرده إلى مطابقة الواقع، بل يوصف الخبر بالصدق لأن قائله منزه عن الكذب كخبر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومطابقته للواقع تبع لقائله، ويوصف الخبر بالصدق لمطابقته للواقع ولو كان قائله معروفاً بالكذب كما في حديث الشيطان مع أبي هريرة رضي الله عنه المذكور آنفاً في الحاشية.

أسأل الله التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


(1) لسان العرب4/ 227 - مادة "خ ب ر".
(2) الصاحبي/289.
(3) انظر: كتاب سيبويه1/ 119 و134 و135، ومعاني القرآن للفراء1/ 335 و2/ 84 و354، وقواعد الشعر لثعلب/31، وانظر: الصاحبي لابن فارس/289، والبرهان للزركشي2/ 425 و433.
(4) لسان العرب4/ 227 - مادة "خ ب ر".
(5) البرهان في وجوه البيان [نقد النثر/44].
(6) علم المعاني/22.
(7) التلخيص/10، وانظر: عروس الأفراح1/ 174.
(8) عروس الأفراح1/ 174.
(9) نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر1/ 243.
(10) الفوائد الغياثية/111.
(11) دلائل الإعجاز/531 و533.
(12) البرهان في وجوه البيان [نقد النثر/45].
(13) شرح عقود الجمان/9.
(14) لا عجب أن يكون المتكلم كاذباً بل كذوباً وخبره صدق، وقد ورد ذلك في وصف النبي صلى الله عليه وسلم لشيطان في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم… فذكر الحديث، وفيه: فقال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدقك وهو كذوب، ذاك شيطان» أخرجه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم (2311 و3275 و5010).
(15) بلاغة الكلمة والجملة والجمل/88.
(16) النظم القرآني في آيات الجهاد/255.
(17) المصدر السابق/253.
(18) انظر هذا التعريف في: شروح التلخيص1/ 174، وروضة الناظر1/ 347.
(19) المستصفى2/ 131، وانظر: شروح التلخيص1/ 174، وشرح الكوكب المنير2/ 289.
(20) تقريب التدمرية/13، وانظر: التدمرية/3.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير