تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ذكرت مجموعة ومفردة، فحيث ذكرت في سياق الرحمة جمعت، أوفي سياق العذاب أفردت. أخرج ابن أبي حاتم وغيره عن أبي بن كعب قال: كل شيء في القرآن من الرياح فهي رحمة، وكل شيء فيه من الريح فهوعذاب، ولهذا ورد في الحديث اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا. وذكر في حكمة ذلك أن رياح الرحمة مختلفة الصفات والهيئات والمنافع، وإذا هاجت منها ريح أثير لها من مقابلها ما يكسر سورتها، فينشأ ريح من بينهما ريح لطيفة تنفع الحيوان والنبات، فكانت في الرحمة رياحا. وأما في العذاب فإنها تأتي من وجه واحد ولا معارض لها ولا دافع، وقد خرج عن هذه القاعدة قوله تعالى في سورة يونس - وجرين بهم بريح طيبة - وذلك لوجهين: لفظي وهوالمقابلة في قوله (جاءتها ريح عاصف - ورب شيء يجوز في المقابلة ولا يجوز استقلالا نحو ومكروا ومكر الله. ومعنوي وهوأن إتمام الرحمة هناك إنما تحصل بوحدة الريح لا باختلافها، فإن السفينة ال تسير بريح واحدة من وجه واحد، فإن اختلفت عليها الرياح كان سبب الهلاك والمطلوب هنا ريح واحدة، ولهذا أكد هذا المعنى بوصفها بالطيب، وعلى ذلك أيضا جرى قوله (إن يشأ يسكن الريح فيظلن رواكد - وقال ابن المنير: إنه على القاعدة لأن سكون الريح عذاب وشدة على أصحاب السفن. ومن ذلك إفراد النور وجمع الظلمات، وإفراد سبيل الحق وجمع سبل الباطل في قوله تعالى - ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله - لأن طريق الحق واحد وطريق الباطل متشعبة متعددة، والظلمات بمنزلة طرق الباطل، والنور بمنزلة طريق الحق، بل هما هما ولهذا وحد ولي المؤمنين وجمع أولياء الكفار لتعددهم في قوله تعالى - الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات - ومن ذلك إفراد النار حيث وقعت، والجنة وقعت مجموعة ومفردة لأن الجنان مختلفة الأنواع فحسن جمعها، والنار مادة واحدة، ولأن الجنة رحمة والنار عذاب فناسب جمع الأولى وإفراد الثانية على حد الرياح والريح. ومن ذلك إفراد السمع وجمع البصر، لأن السمع غلب عليه المصدرية فأفرد، بخلاف البصر فإنه اشتهر في الجارحة، ولأن، متعلق السمع الأصوات وهي حقيقة واحدة، ومتعلق البصر الألوان والأكوان وهي حقائق مختلفة، فأشار في كل منهما إلى متعلقه. ومن ذلك إفراد الصديق وجمع الشافعين في قوله تعالى - فما لنا من شافعين ولا صديق حميم - وحكمته كثرة الشفعاء في العادة وقلة الصديق. قال الزمخشري: ألا ترى أن الرجل إذا امتحن بإرهاق ظالم نهضت جماعة وافرة من أهل بلده لشفاعته رحمة وإن لم يسبق له بأكثرهم معرفة؟ وأما الصديق فأعز من بيض الأنوق. ومن ذلك الألباب لم يقع إلا مجموعا لأن مفرده ثقيل لفظا. ومن ذلك مجيء المشرق والمغرب بالإفراد والتثنية والجمع، فحيث أفردا فاعتبارا للجهة، وحيث ثنيا فاعتبارا لمشرق الصيف والشتاء ومغربهما، وحيث جمعا فاعتبارا لتعدد المطالع في كل فصل من فصلي السنة. وأما وجه اختصاص كل موضع بما وقع فيه ففي سورة الرحمن وقع بالتثنية، لأن سياق السورة سياق المزدوجين، فإنه سبحانه وتعالى ذكر أولا نوعي الإيجاد وهما الخلق والتعليم، ثم ذكر سراجي الشمس والقمر ثم نوعي النبات ما كان على ساق وما لا ساق له وهما النجم والشجر، ثم نوعي السماء والأرض، ثم نوعي العدل والظلم، ثم نوعي الخارج من الأرض وهما الحبوب والرياحين، ثم نوعي المكلفين وهما الإنس والجان، ثم نوعي المشرق والمغرب، ثم

(1/ 222)


نوعي البحر الملح والعذب، فلهذا سن تثنية المشرق والمغرب في هذه السورة، وجمعا في قوله (فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون - في سورة الصافات للدلالة على سعة القدرة والعظمة. وعي البحر الملح والعذب، فلهذا سن تثنية المشرق والمغرب في هذه السورة، وجمعا في قوله (فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون - في سورة الصافات للدلالة على سعة القدرة والعظمة.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير