وسمي إبراهيم عليه السلام أُمَّة في قوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) النحل، لأن عمله منبعه العقيدة التي يؤمن بها، ولا يسأل عن غيره، فقد تبرأ من أبيه آزر؛ عندما تبين له أنه عدو لله: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) التوبة.
ولما أمر بذبح ابنه قام لتنفيذ الأمر: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) الصافات. فعليه السلام لم يعمل من أجل قومه، ولا والده، ولا بنيه. وهجر قومه وبلده إلى الله ... ولم يجعل بينه وبين الله أحدًا، فهو حقًا أُمَّة لوحده.
ووصف تعالى بالأمة الرعاء الذين لا يعملون إلا لأنفسهم، تاركين من هو محتاج لمساعدتهم: قال تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) القصص.
ووصف تعالى بالأمة من لا يهتم إلا بنفسه؛ قال تعالى: (قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) الأعراف. حيث انقسم أهل القرية التي كانت حاضرة البحر إلى ثلاثة أقسام؛ قسم لم يلتزم بنهي الله عن الصيد يوم السبت، وقسم التزم بالنهي، وكان يعظ الفريق الأول الذي لم يلتزم، وقسم ثالث التزم بأمر النهي، ولكنه ترك الفريق الأول وشأنه، ولم ينهه عن المعصية، وهؤلاء هم الذين سموا بالأمة في الآية.
وسمى تعالى بالأمة المدة التي عمل فيها السجين الذي نجا ساقيًا للملك، فلم يلتفت لوصية يوسف عليه السلام بأن يذكره عند ربه، ولم يكن همه فيها إلا نفسه؛ قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يوسف.
وتسمى بالأمة كل فرقة من الفرق التي تفرقت عن جماعة واحدة؛ إذا كان عملها لنفسها لوحدها دون غيرها من الجماعات الأخرى؛ قال تعالى: (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ... (160) الأعراف.
والأمي: هو الذي لا يتبع أحدًا، ولا لأحد عليه فضل يدين له به.
لما كانت القراءة والكتابة هي صنعة من الصناعات كما صنفها ابن خلدون في مقدمته، ولا بد من معلم يعلمها فيكون المتعلم لها تابعًا لمن علمه؛ خرج المتعلم عن الوصف بالأمي لأنه لم يعد مستقلا بنفسه.
وكذلك فإن النصوص تحوي في محتواها علوما متنوعة، فمن يطلع عليها سيكون تابعًا لمن بلغه بها، ومنقادًا لهذه العلوم ومستعينًا بها.
فارتبط لذلك وصف الأمي بمن لم يتعلم القراءة والكتابة؛ لأنه بتعلمه لهما تنتفي صفة الأمي عنه.
ويسمى أميًا من كان عنده كتابًا لا يعلم ما فيه ولا يتبعه، لأن الكتاب في هذا الحال لا أثر له عليه؛ قال تعالى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) البقرة.
وفوق ذلك أنهم أتوا من أنفسهم بما نسبوه إلى الله،، فقد جاء بعدها: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) البقرة
¥