وقال أيضاً: " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة لِأَبِي ذَرّ (الْقِرَاءَة) " (10).
وقال العيني: "وفي رواية الإسماعيلي زيادة وهي خفف على داود عليه الصلاة والسلام القراءة" (11).
الأمر الثاني: أن لفظ القرآن في اللغة يطلق ويراد به ما يشمل القرآن الكريم وغيره:
فلفظ القرآن يطلق ويراد به جنس القراءة، كما يطلق ويراد به القرآن الكريم، ويطلق كذلك على الصلاة.
قال ابن الأثير: " قد تكرر في الحديث ذكر (القراءة، والاقتراء، والقارئ، والقرآن) والأصل في هذه اللفظة الجمع، وكل شيء جمعته فقد قرأته، وسمي القرآن قرآناً لأنه جمع القصص، والأمر والنهي، والوعد والوعيد، والآيات والسور بعضها إلى بعض، وهو مصدر كالغفران والكفران، وقد يطلق على الصلاة لأن فيها قراءة، تسمية للشيء ببعضه، وعلى القراءة نفسها يقال: قرأ يقرأ قراءة وقرآناً " (12).
قال ابن حجر: " وَالأصْل فِي هَذِهِ اللَّفْظَة الْجَمْع، وَكُلّ شَيْء جَمَعْته فَقَدْ قَرَأْته ... وَقِرَاءَة كُلّ نَبِيّ تُطْلَق عَلَى كِتَابه الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ" (13).
الأمر الثالث: أن كتب الله السابقة يطلق عليها لفظ القرآن كما يطلق على القرآن لفظ التوراة والإنجيل والزبور:
قال العيني: " وقرآن كل نبي يطلق على كتابه الذي أوحى إليه " (14).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " فإن لفظ التوراة والإنجيل والقرآن والزبور؛ يراد به الكتب المعينة تارة، ويراد به الجنس تارة. فيعبر بلفظ القرآن عن الزبور وبلفظ التوراة عن القرآن وبلفظ الإنجيل عن القرآن أيضاً، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (خفف على داود القرآن) فكان ما بين أن تسرج دابته إلى أن يركبها يقرأ القرآن فالمراد به قرآنه وهو الزبور. وكذلك قوله في البشارة التي في التوراة: (نبياً أقيم لبني إسرائيل من إخوتهم أنزل عليه توراة مثل توراة موسى)، وكذلك في صفة أمته صلى الله عليه و سلم في الكتب المتقدمة: (أناجيلهم في صدورهم) " (15).
وقال: " ولفظ التوراة والإنجيل والقرآن والزبور قد يراد به الكتب المعينة ويراد به الجنس فيعبر بلفظ القرآن عن الزبور وغيره كما في الحديث الصحيح عن النبي خفف على داود القرآن فكان ما بين أن تسرج دابته إلى أن يركبها يقرأ القرآن والمراد به قرآنه وهو الزبور ليس المراد به القرآن الذي لم ينزل إلا على محمد وكذلك ما جاء في صفة أمة محمد (أناجيلهم في صدورهم) فسمى الكتب التي يقرؤونها وهي القرآن أناجيل، وكذلك في التوراة (إني سأقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم أنزل عليه توراة مثل توراة موسى) فسمى الكتاب الثاني توراة" (16).
وقال: " وكذلك لفظ القرآن فيقال على جميعه وعلى بعضه ولو نزل قرآن أكثر من هذا لسمى قرآناً وقد تسمى الكتب القديمة قرآنا كما قال النبي صلي الله عليه وسلم خفف على داود القرآن" (17).
وقال ابن القيم: " والمراد بالقرآن ههنا الزبور، كما أريد بالزبور القرآن في قوله تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) [الأنبياء: 105] " (18).
وقال ابن كثير: " ثم ليعلم أن كثيراً من السلف يطلقون التوراة على كتب أهل الكتاب المتلوة عندهم، أو أعم من ذلك، كما أن لفظ القرآن يطلق على كتابنا خصوصاً، ويراد به غيره كما في الصحيح: (خفف على داود القرآن فكان يأمر بداوبه فتسرج فيقرأ القرآن مقدار ما يفرغ) وقد بسط هذا في غير هذا الموضع والله أعلم" (19).
الجواب الثاني: أن سرعة قراءته عليه السلام لا تستلزم عدم الفهم والتدبر، ولا تستنكر:
وما توهمه الكاتب بقوله: " لأن القراءة عندها ستكون هَذَراً بلا تفكر، ولن تكون تلاوة بتدبر! "؛ غير مقبول هنا.
فإن داود عليه السلام كغيره من أنبياء الله تعالى قد خصه الله تعالى بخصائص ومعجزات، ولا يمكن إنكارها إلا بإنكار القرآن العظيم، والواجب عند قبول ما هو أعظم من سرعة القراءة مما ورد في القرآن؛ قبول ما جاء به هذا الحديث، إذ العقل السليم لا يرد ذلك، بل إذا صدق بما هو أعظم؛ سهل عليه تصديق ما دون ذلك. وقد استخدم الله تعالى ذلك مع العقول السليمة فقال: (وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) [يس: 78 ـ 79].
¥