بين الشهاب الخفاجي معنى هذه العبارة أثناء كلامه عن استعمال كلمة (السجود) بالمعنيين الحقيقي والمجازي معاً في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ منَ النَّاسِ} [الحج:18]؛ حيث ذكر أن إعمال اللفظ يعني: «جعله دالاً على معنييه الحقيقيين، أو الحقيقي والمجازي، على القول بجواز استعمال المشترك في معنييه، أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه».
ودلالة اللفظ على معنييه الحقيقيين يكون عند استعمال المشترك في معنييه، وقد أشار الشهاب إلى هذه المسألة في بعض المواضع من «حاشيته» كما في المثال التالي:
قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62]. قال البيضاوي: «{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ} الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة».
قال الشهاب: «الولي ضد العدو؛ فهو المحب، ومحبة العباد طاعتهم، ومحبته لهم إكرامه ... وعلى الأول يكون (فعيل) بمعنى (فاعل)، وعلى الثاني بمعنى (مفعول)؛ فهو مشترك؛ فتفسير المصنف رحمه الله له بهما إما بناء على جواز استعمال المشترك في معنييه، وإما باستعماله في أحدهما وإرادة الآخر؛ لأنه لازم له، كما قيل: ما جزاء من يُحِب إلا أن يُحَب».
وأما دلالة اللفظ على معنييه الحقيقي والمجازي فهو استعماله في حقيقته ومجازه كما في المثال التالي: قال تعالى: {يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ} [التوبة:74]. قال البيضاوي -في بيان سبب نزول هذه الآية-: «روي أنه صلى الله عليه وسلم أقام في غزوة تبوك شهرين ينزل عليه القرآن ويعيب المتخلفين، فقال الجُلاَس بن سويد: لئن كان ما يقول محمد لإخواننا حقاً؛ لَنَحْنُ شرّ من الحمير، فبلغ رسول الله؛ فاستحضره فحلف بالله ما قاله فنزلت؛ فتاب الجلاس وحسنت توبته».
قال الشهاب -بعد أن خرّج الحديث وأعطى تعريفاً مختصراً بالجُلاَس وضبط اسمه-: «إسناد الحلف في الآية للجميع مع صدوره عن الجلاس وحده؛ لأنهم رضوا به واتفقوا عليه، فهو من إسناد الفعل إلى سببه، أو جعل الكل لرضاهم به كأنهم فعلوه، إذ لولا رضاهم ما باشره، ولا حاجة إلى عموم المجاز لأن الجمع بين الحقيقة والمجاز جائز في المجاز العقلي وليس محلاً للخلاف».
وهكذا نرى الشهاب يجمع بين الحقيقة والمجاز، ويرى جواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، ولعله يقصر ذلك على المجاز العقلي فقط، كما رأينا هنا عندما قيّد الجواز بالمجاز العقلي، وهذا القيد ذكره الشهاب أيضاً في موضع سابق عندما تكلم عن مسألة (التوسع في الظروف) فقال: «الجمع بين الحقيقة والمجاز في المجاز الحكمي [المجاز الحكمي هو نفسه المجاز العقلي، وسمي حكمياً؛ لأن المجاز ليس في ذوات الكلم وأنفس الألفاظ، ولكن في أحكام أجريت عليها. انظر: معجم المصطلحات البلاغية وتطورها ص598] ليس محل الخلاف» [حاشية الشهاب (1/ 100)]. وقال أيضاً -أثناء كلامه عن قضية نسبة الفعل الواحد إلى فاعلين مختلفين باعتبارين مختلفين أحدهما حقيقياً والآخر مجازياً-: «والجمع بين الحقيقة والمجاز في المجاز العقلي سائغ شائع». [حاشية الشهاب (3/ 183)].
ـ[صالح بن عبدالله]ــــــــ[18 Aug 2007, 11:28 م]ـ
جزاك الله خيراً
جمع طيب وأتمنى من الأخوة أن يحذوا حذوك وممكن أن تصنف إلى فوائد قصيرة وطويلة
وقلت قصيرة حتى يستفاد منها في رسائل الجوال
ـ[زهير هاشم ريالات]ــــــــ[19 Aug 2007, 08:14 ص]ـ
جزاكم الله خيرا أخي صالح
ـ[زهير هاشم ريالات]ــــــــ[01 Sep 2007, 04:04 م]ـ
تفسير القرآن بالقرآن
ذَكَرَ العلماء أن أحسن طرق التفسير أن يُفَسَّرَ القرآنُ بالقرآن؛ فما أُجْمِلَ في موضع فقد فُسِّرَ في موضع آخر. ثم تفسير القرآن بالسنة، ثم بأقوال الصحابة والتابعين، ثم بالاجتهاد. وبالنسبة لكيفية (تفسير القرآن بالقرآن) فقد بَيَّن العلاّمة محمد الأمين الشنقيطي -في مقدمة تفسيره (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن) - أنواعاً كثيرة لذلك منها:
¥