5. أن يُذكَر أمرٌ أو نهي في موضع، ثم يُبَيَّن في موضع آخر هل حصل الامتثال أو لا؟ ومثاله: (وقلنا لهم لا تعدوا في السبت) [النساء: 154]؛ فقد بيَّن أنهم لم يمتثلوا بقوله: (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت) [البقرة:65].
6. أن يُحيل تعالى إلى شيء ذكر في آية أخرى. ومن أمثلته: (وعلى الذين هادوا حرَّمنا ما قصصنا عليك) (النمل: 118]. والمراد به ما قصَّ عليه في قوله تعالى: (وعلى الذين هادوا حرَّمنا كل ذي ظُفُر ... ) [الأنعام: 146].
ـ[زهير هاشم ريالات]ــــــــ[08 Sep 2007, 09:55 ص]ـ
لطائف من قوله تعالى:
(إياك نعبد وإياك نستعين) (الفاتحة:5)
• لماذا انتقل الخطاب في سورة الفاتحة من أسلوب الغائب في قوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين) إلى أسلوب المخاطَب في (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين)؟!
• لماذا قُدِّم المفعول فقيل: (إياك نعبد) مع أن الأصل تقديم الفعل: (نعبد إياك)؟!
• لماذا كُرِّر الضمير (إياك)؟!
• لماذا قُدِّمت العبادة على الاستعانة؟!
قال المفسرون -رحمهم الله- إجابةً على ذلك:
"لمّا ذَكَر اللهُ تعالى الحقيقَ بالحمد، ووصَفه بصفات عظام تميّز بها من سائر الذوات؛ تعلَّق العلم بمعلوم معيّن فخوطب بذلك، أي: يا من هذا شأنه، نخصُّك بالعبادة والاستعانة؛ ليكون أدلَّ على الاختصاص، وللترقي من البرهان إلى العَيَان. ومن عادة العرب التفنّن في الكلام، والعدول من أسلوب إلى آخر تنشيطاً للسامع، فَتَعْدِل من الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى التكلم وبالعكس، كقوله تعالى: (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه ... ) (فاطر: 9).
وقُدِّم المفعول للتعظيم والاهتمام به، وللدلالة على الحصر (فلا نعبد إلا الله، ولا نستعين إلا بالله)، والتنبيه على أن العابد ينبغي أن يكون نظره إلى المعبود أولاً وبالذات، ومنه إلى العبادة لا من حيث إنها عبادة صدرت عنه، بل من حيث إنها نسبة شريفة إليه، ووصلةٌ بينه وبين الحق.
وتكرير الضمير للتنصيص على تخصيصه تعالى بكل واحدة من العبادة والاستعانة، ولإبراز الاستلذاذ بالمناجاة والخطاب.
وقُدِّمت العبادة لأن تقديمَ الوسيلة قبل طلب الحاجة أقربُ إلى الإجابة، ولأن العبادة من حقوق الله تعالى، والاستعانة من حقوق المستعين، ولأن العبادة واجبة حتماً، والاستعانة تابعة للمستعان فيه".
(المقتطف من عيون التفاسير (1/ 17 - 18بتصرف).
ـ[زهير هاشم ريالات]ــــــــ[24 Sep 2007, 11:43 ص]ـ
الحروف المُقَطَّعَة ومقاصد السور
تأمل سر (الم) كيف اشتملت على هذه الأحرف الثلاثة؛ فالألف إذا بُدئ بها أولاً كانت همزة، وهي أول المخارج من أقصى الصدر، واللام من وسط مخارج الحروف، وهي أشدها اعتماداً على اللسان، والميم آخر الحروف ومخرجها من الفم. وهذه الثلاثة هي أصول مخارج الحروف أعني: الحلق واللسان والشفتين ... مع تضمنها سراً عجيباً
وهو أن الألف البداية واللام التوسط والميم النهاية؛ فاشتملت الأحرف الثلاثة على البداية والنهاية والواسطة بينهما. وكل سورة استفتحت بهذه الأحرف الثلاثة فهي مشتملة على بدء الخلق ونهايته وتوسطه -أي التشريع والأوامر-، فتأمل ذلك من البقرة، وآل عمران، والسجدة، والروم.
وتأمل السور التي اشتملت على الحروف المفردة كيف تجد السورة مبنية على كلمة ذلك الحرف؛ فمن ذلك: سورة (ق)، والسورة مبنية على الكلمات القافية: من ذكر القرآن، وذكر الخلق، وتكرير القول ومراجعته مراراً، والقرب من ابن آدم، وتلقي الملكين قول العبد، وذكر الرقيب، وذكر السائق والقرين، والإلقاء في جهنم، والتقديم بالوعيد، وذكر المتقين، وذكر القلب، والقرون، والتنقيب في البلاد، وذكر القيل مرتين، وتشقق الأرض، وإلقاء الرواسي فيها، وبسوق النخل والرزق، وذكر القوم وحقوق الوعيد. وسرٌّ آخر وهو: أن كل معاني هذه السور مناسبة لما في حرف القاف من الشدة والجهر والعُلُوّ.
وإذا أردت زيادة إيضاحِ هذا فتأمل ما اشتملت عليه سورة (ص) من الخصومات المتعددة؛ فأولها خصومة الكفار مع النبي، ثم اختصام الخصمين عند داود، ثم تخاصم أهل النار، ثم اختصام الملأ الأعلى، ثم مخاصمة إبليس واعتراضه على ربه في أمره بالسجود لآدم، ثم خصامه ثانياً في شأن بنيه وحلفه ليغوينَّهم أجمعين إلا أهل الإخلاص منهم.
فليتأمل اللبيب الفطن هل يليق بهذه السورة غير (ص)، وبسورة (ق) غير حرفها؟! وهذه قطرة من بحر من بعض أسرار هذه الحروف. والله أعلم.
(بدائع التفسير لابن القيم بتصرف واختصار)