تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويقابلهم الجبرية فتعلقوا بقوله: ((وَمَا تَشَاءُونَ إلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ)) [الإنسان: 30] ونفوا نسبة الأفعال إلى من صدرت عنه، وقالوا: (الإنسان مجبور وعطلوا الأمر والنهي).

والكرامية لم ينظروا في باب الإيمان إلا في قوله ـ تعالى ـ: ((فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا)) [المائدة: 85]،. وقالوا: (الإيمان قول باللسان فقط دون تصديق ولا عمل).

قال القرطبي: (وهذا منهم قصور وجمود، وترك نظر لما نطق به القرآن والسنة).

وهكذا حال من تعلق ببعض الكتاب دون بعض، وهو انحراف خطير في الفكر وشذوذ في التفكير واعتلال في الشخصية أوجبه الاقتصار على بعض الآيات دون بعض.

قال رشيد رضا: (وفهم القرآن لا يكون صحيحاً إلا بالجمع بين الآيات المتقابلة في الموضوع الواحد الذي يختلف التعبير فيه).

وإزاء هذا وذاك وفق الله المنتسبين لأهل السنة والجماعة في تفسير القرآن بالشمولية والاستيعاب لجميع الآيات القرآنية كلها، ولا يقتصرون على بعضها للاستفادة منها، ومن ثم؛ لم يكن عندهم هذا الشطط وهذا الانحراف وهذا الشذوذ.

فالتفسير وفهم القرآن وحده هو الذي يقضي على ظاهرة التفرق والتحزيب والانتماء إلى فكر معين وتخصص معين؛ فمدرسة التفسير تذوب فيها جميع الفوارق. فإني أتصور الطالب وأتخيله عبداً يملكه شركاء مختلفون وهو بينهم موزع، ولكل منهم فيه توجيه، وعليه تكليف، وهو بينهم حائر لا يستقر على نهج، ولا يستقيم على طريق، ولا يملك أن يرضي أوامرهم المتعارضة التي تمزق اتجاهاته وقواه، وهذا واضح جلي في طلاب الجامعات التي لا تلتزم بمنهج القرآن.

وأتصوره وأتخيله عبداً يملكه سيد واحد، وهو يعلم ما يطلبه منه ويكلفه به وهو مستريح مطمئن مستقر على نهج واحد، وهذا واضح جلي في طلاب الجامعات التي تلتزم بمنهج القرآن الكريم.

ولا شك أن الذي يتلقى علومه وفقهه من القرآن الكريم ـ ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتفسير ـ يخضع لهذه المادة ويتعلم منها، فتربطه بالقرآن، فينعم براحة الاستقامة والمعرفة واليقين وتجمع الطاقة ووحدة الاتجاه ووضوح الطريق، فينشأ سوي الشخصية متزناً معتدلاً.

والذي يتعلم هذه العلوم منفصلة عن القرآن ومن أشخاص مختلفين، فإنه يتأثر بذلك؛ لأن كل أستاذ يلقنه غير الذي يلقنه الآخر، وكل منهم يريده أن يكون على طريقته ومنهجه، فينعكس ذلك على شخصيته، فيتشتت ذهنه، وربما يحدث فيه شذوذاً عن الجادة، لذا يتأكد على رجال التربية والتعليم أن يكثفوا مقررات التفسير.

ولم أرَ علاجاً أنفع لهذه الأمة كفهم القرآن وبيانه وتفسيره، وإن الأمة اليوم تحفظ القرآن وتردده صباح مساء، ولكن لا تفهمه؛ فبينه وبينهم غيوم كثيفة وحجب وعوائق من أهمها وأشدها كثافة: ضعفهم في علوم اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم؛ فكيف يدعو الداعي الناس إلى الشريعة الإسلامية، وهم لا يفهمونها ولا يفهمون مصدرها؟ ولو فهموا ما في القرآن من الأحكام والحكم وما فيه من الأسرار واللطائف لتملكهم القرآن وجرهم إليه جراً كما جر بعض كفار قريش إلى الاستماع إليه في الليالي المظلمة، وكانوا يدفعون تأثيراته باللغو: ((وَقَالَ الَذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا القُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)) [فصلت: 26] فكانوا مغلوبين.

المطلوب منا أن نفسر القرآن ونوضحه ونبينه فقط، وفي ضمنه نتعلم الأحكام والحكم والفقه والعقائد والأخلاق وكل شيء مما يحتاجه الإنسان لسعادته في الدنيا والآخرة.

وبيان القرآن وفهمه هو الكفيل ـ بإذن الله ـ لهداية هذه الأمة الحائرة، وجميع أصناف الناس على مختلف مشاربهم يجدون في علم التفسير ما يروي الظمأ ويشبع الرغبة، وما يعدّل السلوك، وما ينظّم الغرائز والدوافع، ويقوّي الإيمان، ويصحح الاتجاه.

والطريقة الوحيدة التي يستطيع بها الأستاذ أن يبلغ منهج القرآن كاملاً غير منقوص هو علم التفسير؛ فليمتط من أراد الرشد سفينة التفسير؛ ليتعلم ما يسعده في دنياه وآخرته.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الهوامش:

(1) الجامع للقرطبي، 2/ 19.

(2) التحرير والتنوير، 1/ 585.

(3) الجامع للقرطبي، 1/ 376.

(4) الجامع للقرطبي، 3/ 136.

(5) تفسير ابن كثير، 1/ 524.

(6) التحرير والتنوير، 18/ 376.

(7) تفسير ابن كثير، 1/ 129.

(8) تفسير الرازي، 6/ 118.

(9) التحرير والتنوير، 18/ 376.

(10) تفسير ابن كثير، 3/ 336.

(11) الجامع للقرطبي، 6/ 186.

(12) تفسير الرازي، 12/ 178.

(13) رواه مسلم، ح./ 2699.

(14) تفسير الرازي، 7/ 85.

(15) تفسير المنار، 7/ 370.

(16) التحرير والتنوير، 7/ 370.

(17) الجامع، 1/ 14.

(18) مقدمة تفسير السعدي، 4.

(19) تفسير المنار، 1/ 12.

(20) تفسير ابن باديس، 33.

(21) الجامع للقرطبي، 7/ 56.

(22) أحكام القرآن، لابن العربي، 2/ 759.

(23) الجامع للقرطبي، 4/ 92.

Cd مجلة البيان

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير