3 - أن الحقائق العلمية المحمّلة لآيات القرآن إنما حُكم بقطعيتها في ضوء معطيات قابلة للتطور والتبدل بحسب ما يستجد من وسائل إدراك معِينة للحواس، ووسائلِ استقراء وتأمل ومقارنة معِينة للقياس، فجزْم العلماء التجريبين بهذه الحقائق لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه يقينيات من جنس ما يعرفه علماء العقائد، ويعتمدون فيه على أوليات فطرية وبدهيات عقلية.
4 - أن كثيرا من المكتشفات العلمية المزعومة في حقيقتها غير مكتشفات، بل معلومات معروفة قديما للأطباء والفلاسفة والمعتنين بالعلوم الطبيعية، وإنما زادها المستكشفون دقة وتحديدا وتأكيدا وبرهنة بما فُتح عليهم من الآلات المعِينة للحواس المدركة، ووسائل التواصل الذي يتيح الاطلاع على ما أدركه الآخرون واكتشفوه، لكن جرى الوهم بأن كل ما عند الغرب مكتشف بسبب التقصير في الاطلاع على جهود السابقين، وأيسر طريقة للوقوف على ذلك تتبع ما ذكره المفسرون - وخصوصا الفخر الرازي- والشراح قديما عند كلامهم عن النصوص المستشهد بها في الإعجاز العلمي.
5 - أن ما يذكره المنتصرون للتفسير العلمي من مبررات ومصالح ودواعٍ وإعجاز يتحقق بالمقام السلبي في هذا الباب: وهو أن القرآن العزيز على كثرة ما فيه من ذكر الظواهر الكونية وأنواع المخلوقات، وعلى أنه ظهر في مرحلة زمنية مليئة بالخرافات والأساطير المصادمة للعقل والعلم، مع ذلك كله لم تنهض واحدة من الحقائق العلمية المكتشفة حديثا على كثرتها للقدح في شيء مما صرح به القرآن أو أشار إليه.
6 - أن ادعاء خفاء الوجه الصحيح للآيات المنبهة على المكتشفات العلمية على الأقدمين يكذبه سياق الآيات الصريح في مخاطبة أهل ذلك الزمان بما يفهمونه، والاحتجاج عليهم بما يعرفونه، كما في قوله تعالى: {أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما} وقوله: {أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها}، وقوله: {إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم} أفتراه يبين لهم ما لا يفهمه على الوجه الصحيح إلا من جاء بعدهم بأحقاب، أو يحتج عليهم في إثبات الربوبية والبعث بما لا يعرفونه إلا من الوحي؟!.
7 - أن العرب الذين خوطبوا بجميع ما في القرآن منذ نزوله لم يفهموا تلك المعاني المدّعاة في التفسير العلمي، وإلا لزم أن تظهر هذه المكتشفات على أيديهم منذ فهموها من القرآن، وإذا كانت البلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال لم يجز أن تكون هذه المعاني مرادة من الآيات حين أنزلت، وإذا لم تكن مرادة آنذاك، فما الدليل على أنها مرادة في هذا الزمان، هذا على فرض احتمال القرآن لها.
أما ادعاء أنها جميعا مرادة جزما للمتكلم، كل منها في زمانه، وأنه أراد بكلامه جميع محامله السائغة على وجه التعيين فمن أعجب العجب؛ لأنه مبني على التسليم بعصمة المتكلم وكمال علمه، وذلك هو معنى كون القرآن كلام الله، وهي القضية المطلوب إثباتها بالإعجاز، فجعلها من مقدمات الدليل على الإعجاز من الدور الممتنع.
8 - أن التمسك بمجرد احتمال القرآن والسنة لهذه المكتشفات يتيح للمكذب التمسك بالاحتمال أيضا في تقرير التعارض بين الدين والعلم، خصوصا وأن كثيرا من النصوص قد أشكلت على العلماء قديما وحديثا، حتى طلبوا لها الحل والتأويل، كنصوص العلو والنزول وسجود الشمس واستئذانها للطلوع كل يوم وردم يأجوج ومأجوج والتخويف بكسوف الشمس وغيرها كثير، فإذا كنا نعتذر عنها بأن هذا التعارض إنما هو احتمال متوهم، لم يعجز المكذب أن يقول: وكذا الإعجاز المدعى إنما هو احتمال متوهم.
9 - أن المطالب العقدية الكبرى لا يصلح الاستدلال لها بالأدلة المظنونة المحتملة، كما قال سبحانه: {وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا}، وذكر عن الكفار قولهم: {إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين}.
10 - أنه يلزم من التفسير العلمي القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فاته بعض معاني القرآن، أو أنه علمها ولم يعلمها أمته، كما يلزم تجهيل السلف ببعض معاني القرآن، وأن الحق قد يخرج عن مجموعهم.
¥