11 - أن الدافع للتفسير العلمي التجريبي للقرآن إنما هو الهزيمة النفسية أمام فتوحات العلم الحديث، وغياب الاستعلاء بالإيمان واليقين من واقع الأمة، وربما أشار إلى ثقة مهزوزة لدى المعتنين به بما تحظى به العقائد الإسلامية من دلائل تقليدية.
12 - أن في تسمية هذا إعجازا إشكالا؛ من جهة أن العلم الحديث لم يعجز عن الوصول إلى هذه الحقائق.
13 - أن في الإعجاز البياني وغيره من الوجوه اليقينية الصريحة لدلالة القرآن على النبوة وسائر دلائل النبوة المعروفة قديما الكفايةَ والغَناء، ولا يزيدها الزمن إلا رسوخا وقطعية، والعجب كيف تُبرر مزاحمتها بالإعجاز العلمي بحجة تقادم العهد، ثم إذا أبدى منتقدو الإعجاز تخوفهم من تبدّل النظريات العلمية أجيب بأن هذه حقائق علمية ثابتة لا يضرها تطور الزمن، فما باله أضر بدلائل النبوة التقليدية عندهم، فما عادت تفي بمدلولها هذا الزمان، مع أن الإعجاز العلمي التفصيلي لو صح فإنما يدل على النبوة دون تفريق ذاتي بين القرآن والسنة، أما الإعجاز البياني فيزيد بالدلالة على أن القرآن جميعه ليس من قول البشر، كما أن الدلالة فيه سارية في جميع القرآن، بخلاف الإعجاز العلمي لو صح القول به.
14 - أن حصول الأثر الحسن ببعض الأدلة المهزوزة لا يزكيها، ولا يمنع من نقدها؛ لأن هذا الأثر إنما يظهر في غير المتخصصين، وهؤلاء سبيلهم الوعظ غالبا، أما العارفون بموارد الأدلة ومصادرها ومناهجها وعيوبها وهم الطائفة الأهم فلا تروج عليهم، ونظير ذلك الأثر الحسن لكثير من الأحاديث الموضوعة في فضائل الأعمال، فهل يسكت عن التنبيه عليها وتحذير الناس منها لئلا يزول هذا الأثر الحسن، على أن الحصيف لن يعدم وسيلة يجمع بها الحسنين.
وبالتأمل في هذه الاعتراضات يظهر أن تقرير الإعجاز العلمي على الوجه الثالث المشهور لا يستقيم إلا في نص كان مسوقا أصلا باعتباره خبرا من أخبار الغيب التي ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمها ولا قومه من قبل أن يوحى إليه، فيكون معناه مفهوما تماما للمخاطبين، لكن تصديقه فرع عن إيمانهم بالوحي، فإذا وقع وتحقق، أو انكشفت حقيقته من مصدر آخر غير الوحي موافقا لخبر النبي، انقلب الإخبار به إلى برهان صدق ينضم إلى شواهد النبوة، أما أن يُساق النص أصلا للاحتجاج به على المخاطبين في التوحيد أو البعث، فهذا ما لا يستقيم منهجا كما سبق.
وعلى هذا يكون لقبول دعوى الإعجاز العلمي في نص خمسة شروط:
1 - أن يكون النص مفهوم المعنى تماما لمجموع المخاطبين به منذ صدوره.
2 - أن يكون المعنى الإعجازي مدلولا متعينا للنص.
3 - ألا يكون صدق هذا المعنى ومطابقته للواقع في نفس الأمر معلوما من قبل للمخاطبين.
4 - إذا ادعي الإعجاز في حديث نبوي شريف لزم انتفاء احتمال صدوره بظن واجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم.
5 - إجماع المختصين على كون هذا الاكتشاف حقيقة علمية ثابتة ثباتا نهائيا يمتنع نقضه، واشتهار ذلك الإجماع عنهم بالتواتر، بحيث تنتفي شبهة التقول عليهم.
فيُردّ بالشرط الأول كل إعجاز علمي يُزعم فيه فوات المعنى الصحيح للآية على من خوطبوا بها أيام التنزيل، كالذي عبر عنه الدكتور أحمد جمال العمري بقوله: (والذي لا شك فيه أن القرآن العظيم يضم آيات كثيرة لم تُفهم بوضوح إلا بعد أن تقدمت العلوم التجريبية في عصرنا الحاضر ... ، ومن ثم نقول – على سبيل القطع -: إن كثيرا من آيات القرآن الكريم ستُفهم بصورة أدق وأكمل بعد تقدم العلوم التجريبية أكثر فأكثر).
ومثاله الإعجاز المدّعى في اكتشاف العلماء كون (المضغة) المذكورة في أطوار خلق الجنين على شكل ما يمضغ وهيئته، ففيها كأثر الأسنان في العلك، لا على قدر ما يُمضغ كما فهم السابقون، بل هي أصغر من قدر اللقمة بكثير.
ومثاله أيضا الإعجاز المدّعى في كون زمن أطوار الجنين الثلاثة مجتمعة = 40، لا 120 كما فهم الأقدمون قاطبة من روايات الحديث، قال عياض: اختلفت ألفاظ هذا الحديث في مواضع، ولم يُختلف أن نفخ الروح فيه بعد مائة وعشرين يوما، وذلك في تمام أربعة أشهر ودخوله في الخامس، وهذا موجود بالمشاهدة، وعليه يعول فيما يُحتاج إليه من الأحكام، في الاستلحاق عند التنازع وغير ذلك بحركة الجنين في الجوف.
فمثل هذا لو صح اكتشافه يكون إشكالا في الحديث لا إعجازا!!.
¥