فكيف يشتمل الكتاب الذي جاء به على أدلة قاصرة ما فيها دليل واحد يشفي ولا يكفي!! وكيف لم يقدح بذلك أحد من أهل عصره لا من أعدائه ولا من أصدقائه مع ما في الفريقين من الأذكياء النبلاء حتى يأتي بعض الشيوخ المتأخرين بعد ثلاثمائة سنة من الهجرة فيستدرك على الله ورسله صلوات الله عليهم أجميعن وجميع العقلاء ما كانوا عنه غافلين.
78
وعندي أن البدع كلها معلوم ابتداعها بالضرورة التي لا يستطيع أحد النزاع فيها، ولكن كل مبتدع يعتذر لبدعته فمن ترك الأعذار سلك الجادة، ألا ترى أن الصوفية لا يستطيعون أن يدعون أن رسول الله ? ولا أصحابه ولا التابعين كانوا يصنعون صنعهم في السماع، لكنهم يعتذرون بأنه يصلح قلوبهم ويقويها، ولا يقوم غيره مقامه مع وجود الاختلاف في جوازه بين أهل العلم وتعارض الأخبار فيه ونحو ذلك، والملوك لا يقدرون على دعوى أن النبي ? والخلفاء بعده كانوا على مثل أحوالهم في الرسوم الملكية والأمور المصلحية لكنهم يعتذرون بفساد أهل الزمان، وقصد التهيب والتوصل إلى المصالح / على حسب الرأي تارة، وعلى حسب الضرورة أخرى، وكذلك أهل الوسوسة في الوضوء من المتعبدين والعارفين، وأهل التدقيق فيما لا يقع غالبا بين الفرضيين والمتفقهين.
وكذلك علماء الكلام والجدليون والمنطقيون لا يستطيعون أن يدعوا على السلف أنهم خاضوا في علمهم ولا مهدوا له قاعدة ولو كان شيء من ذلك لنقلوا نصوصهم في ذلك ولو وافق الجبائيين الصحابة والتابعون في إثبات الأكوان ومن قال بقول الإمام يحيى وأبي الحسين لنقلت أقوالهم في ذلك كما نقلت في الفقه والتفسير، ولما أطبقوا على تغليق هذه الأبواب كما أطبقت الرسل صلوات الله عليهم وخلت عنه كتب الله المنزلة أولها وآخرها، ولم يحسن من المسلم الممعظم لكتب الله ورسله صلوات الله عليهم والسلف الصالح أن يقطع على قبح حال من تشبه بهم في هذه الخصلة، وإن كان مقصرا في غيرها فالسيئة لا تقبح الحسنة لصدورهما عن فاعل واحد، والعاقل يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال. وإنما ذكرتُ الحجة بالكتب والرسل والسلف لأن المخاطب بحمد الله يعرف أنهم على الحق، وأنا كذلك وليس يحسن منا أن نفرض أنفسنا من جملة أهل الجاهلية بعد أن من الله علينا بالإسلام، ولو فرض ذلك جاهل لدلته البراهين الصحيحة على ملازمة من ذكرته للحق ..............
[المؤيد] فإن معرفة احتياج الإحكام إلى محكم من العلوم الضرورية الأولية قال: لأنه يجوز من طريق الاتفاق أن يسقط كوز من علو فينكسر ولا يصح من طريق الاتفاق أن يصير الخشب دواة.
80
ومن جوز في بديع خلق الإنسان أنه من طبع كمن جوز في كتابة المصحف المحكم أنه بمنزلة جمود المداد في الاستناد إلى الطبع فهو معاند موسوس لا يداوى بالنظر
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[08 Aug 2007, 02:18 ص]ـ
81
فإن اختصاص جميع العقلاء في ذلك الزمان بأمر لا يوجد في واحد من العقلاء في هذا الزمان من خوارق العادة الممتنعة عقلا، ولم تختلف إلا في اللغة العربية، وقد كانوا في البلادة بحيث عبدوا الجماد الذين هم أشرف منه بالضرورة
83
فكيف يكون ما اشتد اختلافهم فيه وعلمت دقته وغموضه كاشفا وموضحا ومجليا لما أجمعوا على وضوحه وسهولته؟ وقد نص ابن متويه على كثرة الشبه في دليل الأكوان.
85
إلا أنه يلزم من كل نوع خاص حصوص جنسه العام، ويستحيل وجود النوع الخاص مع امتناع جنسه العام، إذ لو استحال وجود جنس الحيوان لاستحال وجود نوع الإنسان، وكذلك لو استحال في مسألتنا وجود جنس الشك في الاستدلالي لاستحال وجود نوع الشك المستقبل.
وهذه طريقة للمتكلمين في الاستدلال، وفيها عندي نظر ليس هذا موضع تحقيقه، وأوضح من ذلك أن تجويز ورود الشبهة لا يختص بوقت معين في البعد والقرب، فلذلك يجوز في كل وقت مستقبل وحاضر، ودخل في ذلك حال العلم وما بعده، وذلك مستلزم تجويزه في الحال وإنما اختص الاستقبال بمعرفة الوارد من الشبه بعينه وتأثيره ومعرفة أثره.
.........
والعلم الحق ما جمع ثلاثة أشياء: الجزم والمطابقة والثبات عند التشكيك، وببطلان واحد منها يبطل العلم فتأمل ذلك وجود فيه النظر
88
¥