تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم يأخذ بالأسباب المعنوية ثانيا، ولكن استخدام هذه الأسباب مشروط بالإيمان بالله وصدق التوجه له، وعلى قدر الإيمان والإخلاص تكون النتائج المتحققة.

وإذا جمع الإنسان بين هذين النوعين من الأسباب فهو يزيد من حجم الستار، فيتنزل القَدَر بنتائج لا حدود لها.

ـ[محمد العبادي]ــــــــ[13 Sep 2007, 05:22 م]ـ

مما سبق يتبين لنا أن وضعنا كأمة مسلمة يجب أن يختلف عن الأمم الأخرى، فإذا كان الغرب بسعيه في الأرض واستفادته من خيراتها المتاحة قد نجح في امتلاك زمام التقدم والحضارة، فإن هذا لا يعني أن نسير مثلهم في نفس الطريق، ونعطي ذلك الأولوية المطلقة، وذلك لجملة من الأسباب:

1/ أن الله قد اختص هذه الأمة الإسلامية بنعمة عظيمة، لم يختص بها أمة معها على وجه الأرض، ألا وهي رسالة الإسلام التي تعد بمثابة رسالة هداية للبشرية جمعاء (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس).

هذه المزية العظيمة تجعل من أمتنا خير أمة أخرجت للناس، وتضعها على رأس الأمم الأخرى، مرتبطة بمدى تمثل الرسالة في الأمة، وبمدى تبليغها إياها لسائر الناس، فإن لم تفعل ذلك عاقبها الله بعقوبات كثيرة حتى تفيق من سباتها وتقوم بواجبها، وسيستمر العقاب طالما استمر الإعراض عن القيام بالواجب، وهذا هو التشخيص الحقيقي لواقعنا المرير.

2/ إن مصدر رفعة وعزة الأمة الإسلامية مرتبط بمدى علاقتها بربها، ومدى دخولها في معيته وكفايته، كما قال عمر رضي الله عنه: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.

وفي المقابل فإن مصدر رفعة الأمم الأخرى في الدنيا على قدر امتلاكها للأسباب المادية (فقط)، فمن الخطأ بمكان أن نسعى للرفعة من خلال تقليدهم والسير وراءهم (أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا).

3/ إن باب الأسباب المعنوية نملكه دون غيرنا من الأمم الكافرة بالله (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوات وأن الكافرين لا مولى لهم)

فكيف نترك سر تفوقنا؟!

كيف نترك ما اختصنا الله به ونبحث عما في أيدي الآخري؟!

4/ لو أغلق أمامنا باب الأسباب المعنوية، وتساوينا مع الكفار في السباق نحو امتلاك الأسباب المادية، فستكون النتيجة لصالحهم لا محالة، كما قال عمر رضي الله عنه: إنما تنصرون على عدوكم بطاعتكم لله، فإذا عصيتموه تساويتم.

هذا من ناحية .. ومن ناحية أخرى فنحن حين نترك الأسباب المعنوية ونعتمد على الأسباب المادية فقط فإننا نتعرض للعقوبة من الله بالخذلان وتعسير الأمور، بينما هم لن يعاقبوا مثلنا، لأننا قد خنَّا أمانة عظيمة ائتمننا الله علينا دون غيرنا، قال عمر رضي الله عنه: ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا، فرب قوم سلط الله عليهم من هو شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمعاصي الله كفار المجوس فجاسوا خلال الديار.

5/ تاريخ أمتنا يؤكد أن العرب التي كانت قبل الإسلام في مؤخرة الأمم لم تنتقل إلى مقدمتها بفضل امتلاكها للأسباب المادية وتفوقها بها على غيرها، بل لأنها دخلت في دائرة المعية والرضا الإلهي، فأوفى الله بعهده معها، وملَّكها الأرض، ودحر الممالك الأخرى من فرس وروم والذين كانوا يملكون من الأسباب المادية ما يفوق ما عند الأمة الإسلامية بأضعاف الأضعاف (ومن أوفي بعهده من الله).

وليس معنى هذا هو أن ترك الأسباب المادية، بل لو تركناها لظللنا في أماكننا وما تقدمنا قيد أنملة، فالأسباب المادية هي التي تقيم الستار وتهيء التربة لنزول القدر الإلهي، لكن المقصد هو إعادة ترتيب الأولويات، وعدم مقارنتنا بالغرب، وأن نوقن أن علاقتنا بالله هي سر تقدمنا.

إذن .. نقطة البداية التي ينبغي ألا نتخطاها هي العودة إلى الله والصلح معه، فصلاح الفرد أولا ثم امتلاك الأسباب ثانيا:

*فالذي يبدأ طريقه بالصلح مع الله فإنه لا يألوا جهدا في ارتياد الأماكن التي من شأنها أن ترفع شأن الإسلام، متجاوزا مجده الشخصي ..

*كما أنه لا يغتر بما سيتحقق له من مظاهر العزة الزائفة من المناصب والأموال، بل يبقى في حال فقره لله وتواضعه للمؤمنين مهما كانت ألقابه ومناصبه ..

*كما أنه سيتحرر من أسر الناس، فتجده يبحث عما يرضي الله ليفعله، بغض النظر عن تقييم الناس لفعله.

وهكذا نجد أن الأمة بحاجة إلى الربانيين أولا ليكونوا بعد ذلك في المكان الذي يقيمهم الله فيه .. مهندسين أو أطباء أو علماء ذرة ... الخ

أما بدون رهبان الليل .. البكائين بالأسحار فلا أمل في تقدم ولا رفعة، بل سيستمر الوضع القائم ويزداد سوءا.

قال سعد بن أبي وقاص يصف المجاهدين في القادسية: كانوا يدوّون بالقرآن إذا جن عليهم الليل كدويّ النحل، وهم آساد في النهار لا تشبههم الأسود، ولا يفضل من مضى منهم من بقي إلا بفضل الشهادة.

ويبقى السؤال: كيف السبيل لتحقيق هذا الإيمان وهذه الربانية؟

وما هو دور القرآن في تحقيقها والوصول بالأمة إلى نهضتها؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير