تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[محمد العبادي]ــــــــ[13 Sep 2007, 09:47 م]ـ

إن المعاني الإصلاحية الجيدة والفهم الصحيح لكثير من مسائل الدين –مع أهميتها- لا تكفي وحدها لإحداث التغيير داخل الفرد، ومن ثم عودة الأمة إلى الله، بل لا بد أن يواكبها وجود ضامن وطريقة تتكفل بتنفيذها، ورافد يدعم دوامها وبقاءها، وهذا الضامن لا بد أن يكون نابعا من داخل الفرد، دافعا له دوما إلى التنفيذ طمعا في نيل رضا الله ومثوبته:

لا تنتهي الأنفس عن غيها=ما لم يكن لها من نفسها دافعفمثلا قد يتولد عند أحدنا هذا الدافع عندما يستمع لموعظة بليغة، أو يرى صورة مأساوية، أو يقرأ من كتاب ... الخ فكل هذا من شأنه أن يدفعنا للبكاء والعمل ولكن بصورة وقتية، يعود المرء بعد انتهاء تأثيرها إلى سابق عهده.

ولكي نستمر في حالة التوهج والانتباه ومن ثم القيام بالأعمال المطلوبة منا بذاتية وتلقائية كان لا بد من وجود قوة روحية تتولد داخلنا باستمرار، تضبط تصرفاتنا، وتحثنا على فعل الخيرات، وتطبيق التوصيات التي تلقى على مسامعنا، وهو ما من شأنه أن يقلل من الجهد المبذول، وفي نفس الوقت يزيد من الإنتاج كمّا وكيفا، وهذا ما فعله محمد صلى الله عليه وسلم بنجاح باهر مع الجيل الأول.

فما هو هذا المصدر لهذه القوة الروحية؟

وأين نجده؟

إننا نريد مصدراً يضمن لنا توليد تلك القوة الروحية بصورة دائمة ومستمرة ..

ويكون متاحا للجميع ... الرجل والمرأة، العالم وغيره، العربي والأعجمي ... الخ ..

ولا بد أن يكون مجمعا عليه من سائر أفراد الأمة ..

وأن يكون من مواصفاته ألا يملّ منه أحد ..

ويكون لديه القدرة على التعامل مع المستويات المختلفة لأفراد الأمة في كل زمان ومكان.

فما هو هذا المصدر الفريد الذي يجمع بين هذا كله؟!

... نعم، لا يوجد مصدر لديه القدرة على القيام بهذا الدور الخطير إلا إذا كان شيئا معجزا، خارقا للعادة، ذا قوة تأثيرية جبّارة ومستمرة.

لو تفكرنا في المعجزات السابقة لوجدناها مرتبطة بزمان محدد، أو بحالة محددة، أو بشخص محدد، كعصا موسى، وناقة صالح، وإحياء عيسى للموتى.

كل هذه المعجزات مرتبطة بأصحابها من الرسل، إلا معجزة واحدة اختص الله بها أمتنا الإسلامية، وجعلها صالحة لكل زمان ومكان، ألا وهي القرآن الكريم، وقد تكفل الله بحفظه من التحريف والتبديل لتستمر معجزته في قيامها بدورها الخطير في تغيير الأفراد، وبث الروح فيهم، وتوليد القوة الروحية والدافع الذاتي داخلهم باستمرار في أي زمان ومكان (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا)

ـ[محمد العبادي]ــــــــ[14 Sep 2007, 04:48 م]ـ

تأكد لنا بما سبق أن المصدر الجامع المتفرد لبث الروح في الأمة باستمرار هو القرآن الكريم، ولكن هل نرى أثر هذا في واقعنا؟

الحقيقة أننا نعيش اليوم حصاد موروثات قديمة من التعامل الخاطئ مع القرآن، ابتعد فيها المسلمون شيئا فشيئا عنه وعن دوره في التوجيه والتأثير وقيادة الحياة.

حصر دوره في كونه مصدرا للتبرك والأجر والثواب فقط، وأطلق مصطلح (أهل القرآن) على حفاظ حروفه فقط، وأصبح المقصد من تعلم القرآن وتعليمه هو تعلم أحكام تلاوته ومخارج حروفه والاقتصار على ذلك، وكأننا نعيش المنهج التربوي المعكوس، فالإنسان في الدنيا كلها يقرأ ليتعلم، أما نحن فنتعلم لنقرأ!

أصبح التعامل مع القرآن بالحناجر دون العقول والقلوب، أحسنّا التعامل مع لفظه وهجرنا معجزته، وهذا مصداق شكوى الرسول صلى الله عليه وسلم لربه: (يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا).

ومن هنا اشتدت الحاجة لبذل الجهد الضخم لإزالة تلك الموروثات القاصرة، ولتغيير الأساليب السائدة في التعامل مع القرآن.

وقبل الحديث عن التصورات المقترحة لتفعيل مشروع العودة إلى القرآن والانتفاع بقوة تأثيره الفريدة، والتعامل معه على أنه بداية حقيقية لمشروع النهضة، فإن هناك شرطا لا بد منه لكل من يريد اعتناق وتبني هذا المشروع، ألا وهو ضرورة الانتفاع والتأثر به أولا، وتذوق حلاوة الإيمان من خلاله، وأن يصبح بالفعل مصدرا متفردا للقوة الروحية والدافع الذاتي عند من يريد نشره وإيصاله إلى غيره.

وهذا لا يحتاج إلى كبير عناء، فقط أن تستشعر حاجتك إلى القرآن، ثم تقبل عليه بشغف باحثا عن التأثر من خلال تلاوة آياته، فعلى قدر ما سنعطي القرآن من أوقاتنا وعقولنا ومشاعرنا سيعطينا ويعطينا، وعلى قدر ما سنتواضع أمامه، وندخل عليه دخول الملهوف المتشوق لرؤية معجزته، الباحث عن حياة قلبه ستكون النتيجة المبهرة بمشيئة الله ..

(أمامك عقبة)

من الأمور التي قد تمنع الواحد منا من استشعار حاجته إلى المعجزة القرآنية أنه قد تعود على تدبر القرآن واستخراج معانٍ عظيمة منه، وهذا من شأنه أن يُشعره بأنه قد أدى حق القرآن، ومن ثم لا يقع الحديث عن المعجزة القرآنية موقعه الصحيح من نفسه، ولا يتفاعل معها، بل وقد يعتبر أن الكلام موجها إلى غيره.

لذا من المهم أن يتأكد لدينا أن المقصد من التعامل الصحيح مع القرآن ليس التدبر وحده، بل يجب أن يصحب ذلك حصول التأثر وتجاوب المشاعر مع المعاني التي تفهمها عقولنا.

وقد دلنا القرآن على الجمع بين الأمرين حين أمرنا بالتدبر وبالترتيل، فمخاطبة الفكر تحتاج إلى إعمال العقل عند قراءة الآيات، وهذا هو جوهر التدبر، كما أن الترتيل يقوم بالطرق على المشاعر طرقا شديدا.

فإذا ما قام المرء بقراءة القرآن قراءة هادئة بطيئة مرتلة مع إعمال العقل فيما يقرأ، فسيكون لذلك أعظم الأثر في مزج الفكر بالعاطفة، والوصول لدرجة التأثر والتفاعل مع القراءة، ومن ثم تكون الطاقة والروح الدافعة للعمل ...

وسوف نذكر بمشيئة الله بعض الوسائل المعينة والمساعدة كذلك على الوصول إلى درجة التأثر المطلوب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير