تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لكمال قدرة الرب وعموم مشيئته والعدل الذي أثبته الجبرية مناف للحكمة والرحمة ولحقيقة العدل والعدل الذي هو اسمه وصفته ونعته سبحانه خارج عن هذا وهذا ولم يعرفه إلا الرسل واتباعهم ولهذا قال هود عليه الصلاة و السلام لقومه إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم فأخبر عن عموم قدرته ونفوذ مشيئته وتصرفه في خلقه كيف شاء ثم أخبر أنه في هذا التصرف والحكم على صراط مستقيم وقال أبو إسحاق أي هو سبحانه وأن كانت قدرته تنالهم بما شاء فإنه لا يشاء إلا العدل وقال ابن الأنباري لما قال هو آخذ بناصيتها كان في معنى لا يخرج من قبضته وأنه قاهر بعظيم سلطانه لكل دابة فاتبع قوله أن ربي على صراط مستقيم قال وهذا نحو كلام العرب إذا وصفوا بحسن السيرة والعدل والإنصاف قالوا فلان على طريقة حسنة وليس ثم طريق ثم ذكر وجها آخر فقال لما ذكر أن سلطانه قد قهر كل دابة أتبع هذا قوله أن ربي على صراط مستقيم أي لا تخفى عليه مشيئته ولا يعدل عنه هارب فذكر الصراط المستقيم وهو يعني به الطريق الذي لا يكون لأحد مسلك إلا عليه كما قال إن ربك بالمرصاد

قلت فعلى هذا القول الأول يكون المراد أنه في تصرفه في ملكه يتصرف بالعدل ومجازات المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ولا يظلم مثقال ذرة ولا يعاقب أحدا بما لم يجنه ولا يهضمه ثواب ما عمله ولا يحمل عليه ذنب غيره ولا يأخذ أحدا بجريرة أحد ولا يكلف نفسا ما لا تطيقه فيكون من باب له الملك وله الحمد ومن باب ماض في حكمك عدل في قضاؤك ومن باب الحمد لله رب العالمين آي كما أنه رب العالمين المتصرف فيهم بقدرته ومشيئته فهو المحمود على هذا التصرف وله الحمد على جميعه وعلى القول الثاني المراد به التهديد والوعيد وأن مصير العباد إليه طريقهم عليه ولا يفوته منهم أحد كما قال تعالى قال هذا صراط على مستقيم قال الفراء يقول مرجعهم إلي فأجازيهم كقوله أن ربك لنا بالمرصاد قال وهذا كما تقول في الكلام طريقك علي وأنا على طريقك لمن أوعدته وكذلك قال الكلبي والكسائي ومثل قوله وعلى الله قصد السبيل على إحدى القولين في الآية وقال مجاهد الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه ومنها أي ومن السبيل ما هو جائر عن الحق ولو شاء لهداكم أجمعين فأخبر عن عموم مشيئته وأن طريق الحق عليه موصلة إليه فمن سلكها فإليه يصل ومن عدل عنها فإنه يضل عنه والمقصود أن هذه الآيات تتضمن عدل الرب تعالى وتوحيده والله يتصرف في خلقه بمكله وحمده وعدله وإحسانه فهو على صراط مستقيم في قوله وفعله وشرعه وقدره وثوابه وعقابه يقول الحق ويفعل العدل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل فهذا العدل والتوحيد الذين دل عليهما القرآن لا يتناقضان وأما توحيد أهل القدر والجبر وعدلهم فكل منهما يبطل الآخر ويناقضه

فصل ومن سلك من القدرية هذه الطريق فقد توسط بين الطائفتين لكنه يلزمه الرجوع إلى مثبت القدر قطعا وألا تناقض أبين تناقض فإنه إذا زعم أن الضلال والطبع والختم والقفل والوقر وما يحول بين العبد وببين الإيمان مخلوق لله وهو واقع بقدرته ومشيئته فقد أعطى أن أفعال العباد مخلوقة وأنها واقعة بمشيئته فلا فرق بين الفعل الابتدائي والفعل الجزائي إن كان هذا مقدور الله واقعا بمشيئته والآخر كذلك وإن لم يكن ذاك مقدورا ولا يصح دخوله تحت المشيئة فهذا كذلك والتفريق بين النوعين تناقض محض وقد حكى هذا التفريق عن بعض القدرية أبو القاسم الأنصاري في شرحه

(1/ 87)


الإرشاد فقال ولقد اعترف بعض القدرية بأن الختم والطبع توابع غير أنها عقوبات من الله لأصحاب الجرائم قال وممن صار إلى هذا المذهب عبد الواحد بن زيد البصري وبكر ابن أخته قال وسبيل المعاقبين بذلك سبيل المعاقبين بالنار وهؤلاء قد بقي عليهم درجة واحدة وقد تحيزوا إلى أهل السنة والحديث
فصل وقالت طائفة منهم الكافر هو الذي طبع على قلب نفسه في الحقيقة وختم على قلبه والشيطان ايضا فعل ذلك ولكن لما كان الله سبحانه هو الذي أقدر العبد والشيطان على ذلك نسب الفعل إليه لإقراره للفاعل على ذلك لأنه هو الذي فعله
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير