تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال أهل السنة والعدل هذا الكلام فيه حق وباطل فلا يقبل مطلقا ولا يرد مطلقا فقولكم أن الله سبحانه أقدر الكافر والشيطان على الطبع والختم كلام باطل فإنه لم يقدره إلا على التزيين والوسوسة والدعوة إلى الكفر ولم يقدره على خلق ذلك في قلب العبد البتة وهو أقل من ذلك وأعجز وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم بعثت داعيا ومبلغا وليس إلي من الهداية شيء وخلق إبليس مزينا وليس إليه من الضلالة شيء فمقدور الشيطان أن يدعو العبد إلى فعل الأسباب التي إذا فعلها ختم الله على قلبه وسمعه وطبع عليه كما يدعوه إلى الأسباب التي إذا فعلها عاقبه الله بالنار فعقابه بالنار كعقابه بالختم والطبع وأسباب العقاب فعله وتزيينها وتحسينها فعل الشيطان والجميع مخلوق لله

وأما ما في هذا الكلام من الحق فهو أن الله سبحانه أقدر العبد على الفعل الذي أوجب الطبع والختم على قلبه فلولا أقدار الله له على ذلك لم يفعله وهذا حق لكن القدرية لم توف هذا الموضوع حقه وقالت أقدره قدرة تصلح للضدين فكان فعل أحدهما باختياره ومشيئته التي لا تدخل تحت مقدور الرب وإن دخلت قدرته الصالحة لهما تحت مقدروه سبحانه فمشيئته واختياره وفعله غير واقع تحت مقدور الرب وهذا من أبطل الباطل فإن كل ما سواه تعالى مخلوق وله داخل تحت قدرته واقع بمشيئته ولو لم يشأ لم يكن

قلت القدرية لما أعرضوا عن التدبر ولم يصغوا إلى التذكر وكان ذلك مقارنا لا يراد الله سبحانه حجته عليهم أضيفت أفعالهم إلى الله لأن حدوثها إنما اتفق عند إيراد الحجة عليهم

قال أهل السنة هذا من أمحل المحال آن يضيف الرب إلى نفسه أمر ألا يضاف إليه البتة لمقارنته ما هو من فعله من المعلوم أن الضد يقارن الضد فالشر يقارن الخير والحق يقارن الباطل والصدق يقارن الكذب وهل يقال أن الله يحب الكفر والفسوق والعصيان لمقارنتها ما يحبه من الإيمان والطاعة وأنه يحب إبليس لمقارنة وجوده لوجود الملائكة فإن قيل قد ينسب الشيء الى الشيء لمقارنته له وإن لم يكن له فيه تأثير كقوله تعالى وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهو يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ومعلوم أن السورة لم تحدث لهم زيادة رجس بل قارن زيادة رجسهم نزولها فنسب إليها قيل لم ينحصر الأمر في هذين الأمرين اللذين ذكرتموهما وهما أحداث السورة الرجس والثاني مقارنته لنزولها بل ههنا أمر ثالث وهو أن السورة لما أنزلت اقتضى نزولها الإيمان بها والتصديق والإذعان لأوامرها ونواهيها والعمل بما فيها فوطن المؤمنون أنفسهم على ذلك فازدادوا إيمانا بسببها فنسبت زيادة الإيمان إليها إذ هي السبب في زيادته وكذب بها الكافرون وجحدوها وكذبوا من جاء بها ووطنوا أنفسهم على مخالفة ما تضمنته وإنكاره فازدادوا بذلك رجسا فنسب إليها إذ كان نزولها ووصولها إليهم هو السبب في تلك

(1/ 88)


الزيادة فأين هذا من نسبة الأفعال القبيحة عندكم التي لا تجوز نسبتها إلى الله عند دعوتهم إلى الإيمان وتدبر آياته على أن أفعالهم القبيحة لا تنسب إلى الله سبحانه وإنما هي منسوبة إليهم والمنسوب إليه سبحانه أفعاله الحسنة الجميلة المتضمنة للغايات المحمودة والحكم المطلوبة والختم والطبع القفل والإضلال أفعال حسنة من الله وضعها في أليق المواضع بها إذ لا يليق بذلك المحل الخبيث غيرها والشرك والكفر والمعاصي والظلم أفعالهم القبيحة التي لا تنسب إلى الله فعلا وإن نسبت إليه خلقا فخلقها غيرها والخلق غير المخلوق والفعل غير المفعول والقضاء غير المقضي والقدر غير المقدور وستمر بك هذه المسألة مستوفاة إن شاء الله في باب اجتماع الرضاء بالقضاء وسخط الكفر والفسوق والعصيان إن شاء الله
قالت القدرية لما بلغوا في الكفر إلى حيث لم يبق طريق إلى الإيمان لهم الا بالقسر والإلجاء ولم تقتض حكمته تعالى أن يقسرهم على الإيمان لئلا تزول حكمة التكليف عبر عن ترك الألجاء والقسر بالختم والطبع إعلاما لهم بأنهم انتهوا في الكفر والإعراض إلى حيث لا ينتهون عنه إلا بالقسر وتلك الغاية في وصف لجاجهم وتماديهم في الكفر
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير