1 - قال تعالى: {بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ} الأنبياء5، وفي هذه الآية يُلمس التردد والحيرة والاضطراب في الإجابة؛ فقالوا عن القرآن: رُؤى منامية، ثم أضربوا عنها إلى أنه كلام كاذب، ثم أضربوا عنه إلى مقولتهم بالشعر، وبعد أن أعياهم التفكير ولم يجدوا منفذا لهم على القرآن عادوا إلى أسلوبهم القديم: أسلوب المكابرة والتَّعَنت فقالوا: {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ}.
إذن فَوْلَتُهُم عن القرآن بأنه شعر ليس من اقتناع جاء بعد نظر وتدقيق وتمحيص، وإنما جاء نتيجة اضطراب – {بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} – وتذبذب نتج عنهما ذلك الاستكبار والتعنت وركوب الرأس {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ}، هذه ملاحظة أولى.
2 - قال تعالى: {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} الصافات36، وهذه ملاحظة ثانية أتساءل فيها: إذا سلمنا أن القرآن شعر وقد جاء بأجود ما يكون الحديث وبأبلغ ما يكون النظم، فأنّى لمجنون أن يأتي به؟ إذا كان الشعر الحسن الذي لا يرتقي إلى مستوى الروعة والجمال لا يمكن أن يصدر ممن ليس له مسكة من الأدب؛ فكيف بروائع الشعر – تَنَزُّلا – تَرِدُ على لسان مجنون؟ إن هذا القَرْنَ بين صفتي الشعر والجنون لشخص واحد لا يعقله أحد، فضلا من أن يطلقه أرباب الفصاحة والبيان. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى عداوتهم ومعاندتهم ومكابرتهم للقرآن، فهم قد استنفدوا كافة الطرق لمحاربته، فلم تنجع، فلجأوا إلى الهذيان والتناقض كما ذكرتُ آنفا.
3 - قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} الطور30، والسؤال هنا: إذا كان شاعرا وقد أتى بأجود ما قيل من الشعر – كما زعموا – فَلِمَ التربص به ريب المنون؟ ليس إلا لعلة واحدة عندهم وهي أنه ينتهي أمره ويَنسى الناس شعره! ألم يعلموا أن جياد القصائد من الأشعار قد تفانوا أصحابها وبقيت هي مُعَلَّقة في نفوس مَن بعدهم مِن العرب؟ فكيف يتربصون به ريب المنون؟ ما الفائدة من هذا التربص إذا كان قوله سوف يبقى – سواء كان شعرًا أم كان كلام رب العالمين – ما دام ما لا يضاهيه أو يماريه جودة قد عَلِقَ في النفوس وبقي خالدًا في الأدب؟ ليس إلا ذلك الاضطراب الذي كررتُهُ مرارًا، اضطرابٌ نتج عن ثورة عارمة ضد القرآن ومن نزل إليه.
من هذا كله يُسْتَخْلَصُ أن مقولتهم بأن القرآنَ شعرٌ ليس لظنهم أن الشعر هكذا، وإنما هو ذريعة لصرف الناس عن سماع القرآن ودخول الإسلام؛ قال تعالى حاكيا عن هؤلاء قولهم {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}.
أما ما قاله سيد قطب في كتابه التصوير الفني في القرآن فذكر أن سبب قولهم شاعر هو أن ذلك السحر الذي يجدونه في الشعر وذلك الخاطر الذي يحرك الوجدان ويطربها عند سماع الشعر هو كذلك عند سماع القرآن، فالشعر يسحر الألباب بأسلوبه ومعانيه ومراميه و ... الخ، والقرآن يسحرها بنفس ما يسحر الشعر، (راجع التصوير الفني في القرآن: 102)، ولذا ذكروا أن القرآن سحرٌ يفرق بين الرجل وأهله ومواليه عندما يسلم وهم على كفرهم.
وهذا القول لا يمكن تخطئته لأن صاحبه رجل أديب يعرف ما للشعر من سحر وبيان، ولكن يُنتَبَه هنا إلى أن الشعر منه ما هو حسن ومنه ما هو قبيح، منه ما هو صادق ومنه ما هو كاذب، والذي يُطرب أكثر هو الكاذب فقد قيل: "أعذب الشعر أكذبُه"، أما القرآن فهو كلام رب العزة لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ومع هذا فهو أبلغ وأجمل وأجل وأروع من أن يُقاس تأثيره في القلوب والوجدان بتأثير الشعر فيها.
ومن خلال الاستقراء للآيات التي وردت فيها مقولتهم للنبي صلى الله عليه وسلم بالشعر لم أجد ما يوحي بقياسهم القرآن بالشعر، فأهل الفصاحة منهم بينوا أن القرآن ليس بشعر –، وإنما ما وجدته هو التخبط والحيرة الناتجان عن الكيد والعداء ومحاربة القرآن وأهله.
ـ[أبو المهند]ــــــــ[07 Apr 2009, 10:24 ص]ـ
¥