مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} الروم: 23, والنوم أخو الموت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (2) , لكنه أخوه الأصغر؛ لأنه دون ذلك, قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الزمر: 42, وأنت إذا أويت إلى فراشك تقول: (بِاسْمِكَ رَبّي وَضَعْتُ جَنْبِي, وَبِكَ أَرْفَعُهُ, إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا, وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ) (3).
إن علاقة الروح بالبدن، ليست علاقة متساوية, ولكن بين الروح والبدن أنواع خمسة من التعلقات نُدركها بالتتبع والاستقراء:
النوع الأول: علاقة الروح بالبدن في المرحلة الجنينية: وهى علاقة ضعيفة، إلى حد أننا لا نذكر هذا التعلق, مع أننا نقطع بأن الجنين بعد أربعة أشهر تنفخ فيه الروح, ولكن ما منا أحد يذكر ذلك الحال؛ من وجود روحه في بدنه.
النوع الثاني: تعلق الروح بالبدن في حال اليقظة، في الدنيا: ولا نحتاج إلى وصفه، لأننا نعيشه.
النوع الثالث: تعلق الروح بالبدن في حال النوم في الدنيا: فإنها حال مستقلة، لا تُغادر الروح الجسد مغادرة تامة, ولها فيه نوع تعلق. ولذلك نجد أن النائم أحياناً يظهر عليه التبرم، بسبب الحرّ، أو بسبب الإزعاج, مع أنه ليس في وعيه, ويظهر عليه أثر البرد، فيقشعر بدنه, ويظهر عليه أثر الراحة والاستغراق. فهناك علاقة وسيطة.
النوع الرابع: تعلق الروح بالبدن في الحياة البرزخية: وهذه حالة عجيبة، لا نُدركها الآن, ولكن الإيمان بالغيب يقتضي أن نؤمن بها؛ فإن روح الميت تُردُّ إلى بدنه، حين يُوضع في قبره, فيأتيه الملكان، فيسألانه الأسئلة الثلاثة المعروفة، ثم يعقبها نعيم أو عذاب. ولكنها حال لا يُدركها إلا المقبور؛ فهو الذي يُحسُّ بنعيم القبر، أو عذابه.
النوع الخامس: وهو أكمل أنواع التعلقات, تعلق الروح بالبدن بعد البعث، إما في الجنة، أو في النار: فهذا التعلق تعلق وثيق، واتصال عميق. ولهذا يجد المؤمن غاية النعيم في الجنة, ويجد الكافر غاية العذاب في النار, لشدة التصاق روحه ببدنه.
ثم قال الله عز وجل: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)) , لقد جعل الله عز وجل هذه الحياة تتراوح بين ليل ونهار, بين ظلمة وإسفار. وما أحسن هذا التعقيب بعد ذكر النوم, فقد ذكر الله تعالى مَحلّه، وظرفه، وهو الليل. فما أن تسقط الشمس في المغيب، حتى يُقبل جيش الليل. ويأتي هذا الجُند الظلامي، ويُغطي الأرض، ويُكنّها، ويَغشاها، كأنه لباس! أرأيت لو أخذتَ ثوباً أسود، وغشّيْتَ به إنساناً، فإنه لا يُبصر شيئاً. فهذا اللباس الرباني يَكسو الله به الأرض، كل يوم، ويحصل من جَرّاءه هدوء، وسكينة، وآثار حميدة، قد لا نُدرك جميعها. ولهذا امتن الله على عباده فقال: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ} القصص:71, لا أحد, فالله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} الزمر: 5, وقال تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يس: 40, ولو اختل هذا الميزان، لظهر ذلك على الآدميين.
¥