تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال أبو منصور الأزهري في (تهذيب اللغة): (سمعت أعرابياً يقول لِلَبَنٍ كانَ مَحْقُونًا في السِّقَاء، فَضرَبَه حَرُّ الشَّمْسِ فتَقَطَّع: إنَّه لَلَبَنٌ مُتَفَلِّقٌ ومُمْذَقِرٌّ، وهو أن يصير اللبن ناحية والماء ناحية، ورأيتهم يكرهون شرب الماء المتفلق).

5: الخلق كله فلق، وهذا المعنى ذكره جمع من علماء اللغة، كالزجاج والنحاس والجوهري وأبي منصور الأزهري وابن فارس وابن منظور وغيرهم وهو إطلاق صحيح.

قال الزجاج (ت:311هـ): ((قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وَهُوَ فَلَقُ الصُّبْحِ وَهُوَ ضِيَاؤُهُ، وَيُقَالُ أَيْضًا فَرَقُ الصُّبْحِ. يُقَالُ: (هُوَ أَبْيَنُ مِنْ فَلَقِ الصُّبْحِ). وَمَعْنَى الْفَلَقِ الْخَلْقُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى}. وَكَذَلِكَ فَلَقَ الأَرْضَ بِالنَّبَاتِ وَالسَّحَابَ بِالْمَطَرِ، وَإِذَا تَأَمَّلْتَ الْخَلْقَ تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ خَلْقَهُ أَكْثَرُهُ عَنِ انْفِلاقٍ. فَالْفَلَقُ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ وَفَلَقُ الصُّبْحِ مِنْ ذَلِكَ). [معاني القرآن وإعرابه: 5/ 379]

6: بيان الحق بعد إشكاله، وهذا المعنى ذكره أبو منصور الأزهري وابن منظور

7: اسم من أسماء الداهية، وهذا المعنى ذكره ابن السكيت والمبرد وابن قتيبة والصاحب بن عباد وابن دريد وغيرهم.

وهذا المعنى الأخير فيه خلاف بين فتح الفاء وكسرها.

وما سبق من المعاني صحيح لا خلاف فيه فيما أعلم وقد طويت ذكر شواهدها وأقوال العلماء اختصاراً.

ومثل هذه الألفاظ التي تطلق على أكثر من معنى يؤخذ بما يحتمله السياق منها وهذه المرتبة الثانية من مراتب الترجيح بين المعاني المحتملة للألفاظ وهي دلالة السياق.

والمرتبة الأولى: دلالة النص أو الإجماع، وهي أن يدل النص أو الإجماع على اختيار معنى من تلك المعاني.

والمرتبة الثالثة: دلالة المناسبة، وهي أضعف من دلالة السياق، وقد استعملها شيخ الإسلام في مسألتنا هذه، وهي أن يكون أحد المعاني أكثر مناسبة لموضوع السورة أو الآيات من بعض.

المرتبة الرابعة: توارد المعاني، وهي أن يحتمل التركيب عدة معاني فيؤخذ بالمعنى الأول للحالة الأولى وبالمعنى الثاني للحالة الثانية وهكذا، وهذه الدلالة أشار إليها شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألتنا هذه أيضاً وكلامه يحتاج إلى زيادة إيضاح وتمثيل.

وخلاصة الأمر أنني لا أنكر أن من معاني الفلق: الصبح في لسان العرب، بل هو استعمال صحيح معروف، لكن تخصيص المراد به أمر فيه نظر، نعم له ما يقويه من الآثار عن التابعين كمجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وقد صح عنهم ذلك، وهو رواية عن الحسن البصري

لكن يمكن أن يقال: إن هذا من باب التفسير بالمثال وله نظائر كثيرة.

وأحسن ما قيل في تفسير هذه الآية – حسبما اطلعت عليه – ما كتبه شيخ الإسلام في تفسيرها وهو في سجن القلعة حيث قال رحمه الله: (فصل في {قل أعوذ برب الفلق} قال تعالى: {فالق الحب والنوى} وقال تعالى: {فالق الإصباح وجعل الليل سكنا}

والفلق: فَعَلٌ بمعنى مفعول؛ كالقبض بمعنى المقبوض؛ فكل ما فلقه الرب فهو فلق.

قال الحسن: الفلق كل ما انفلق عن شيء كالصبح والحب والنوى

قال الزجاج: وإذا تأملت الخلق بان لك أن أكثره عن انفلاق كالأرض بالنبات والسحاب بالمطر.

وقد قال كثير من المفسرين: الفلق الصبح فإنه يقال هذا أبين من فلق الصبح وفرق الصبح. وقال بعضهم الفلق الخلق كله.

وأما من قال: إنه واد في جهنم أو شجرة في جهنم أو إنه اسم من أسماء جهنم؛ فهذا أمر لا تُعرف صحته لا بدلالة الاسم عليه ولا بنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في تخصيص ربوبيته بذلك حكمة؛ بخلاف ما إذا قال: رب الخلق، أو: رب كل ما انفلق، أو: رب النور الذي يظهره على العباد بالنهار؛ فإن في تخصيص هذا بالذكر ما يظهر به عظمة الرب المستعاذ به.

وإذا قيل: الفلق يعم ويخص فبعمومه للخلق أستعيذ من شر ما خلق، وبخصوصه للنور النهاري أستعيذ من شر غاسق إذا وقب؛ فإنَّ الغاسقَ قد فُسِّرَ بالليلِ كقوله: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} وهذا قولُ أكثرِ المفسِّرِينَ وأهلِ اللُّغَة).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير