أولاً: إنّ جوهر الأزمة الإسلامية هي أزمة فكرية وليست أزمة عقيدة فالعقيدة صاغتها نصوص الوحي وهي نصوص محفوظة بحفظ الله لها، وتبدو هذه الأزمة واضحة للعيان في انكفاء تيار من علماء الأمة على الذات؛وذلك بتقديس التراث والانصراف والعزلة عن الواقع وتحدياته وتقنياته وفي ذلك إهمال لعالم الشهادة وهو عالم مطلوب من الإنسان المسلم تسخيره وتطويعه وتعميره والاستفادة من إمكاناته ليعينه في أداء مهمة الاستخلاف والعبادة لله سبحانه وتعالى. كما تبدو الأزمة واضحة في انسياق التيار الآخر من علماء الأمة وراء مقولات النموذج الوضعي الغربي الغارق في الدنيوية والمهمل لعالم الغيب وهذا الانقسام أثر تأثيراً واضحاً على العلم الإسلامي وعلى واقع ومستقبل الأمة بأسره؛ ذلك أن التخلُّف بكافة أنماطه وأشكاله إنما هو وليد تبني نموذج معرفي خاطئ لا ينسجم مع عقيدة الأمة وتصوراتها، أو هو وليد الحركة بمنظومة معرفية منقوصة كالذي يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضه الآخر.
ثانياً: إنّ مصدر الخلل الأساس هو أنّ الممارسة العملية في العالم الإسلامي المعاصر أدّت إلى عدم تكامل المصادر المعرفية، إذ من المفترض نظرياً أن يحدث الانسجام والتكامل بين المصادر المعرفية ذلك أنّ معطيات الإسلام قائمة على العقل، والوحي دائم الحض للناس جميعاً على المشاهدة القائمة على الحواس وعلى التدبر العقلي المتسم بالإخلاص لله في البحث عن الحقيقة. ويتجلى هذا التكامل في أنّ الوحي يقدِّم للبشر أطراً تصورية تتصل بالمعارف المتصلة بعالم الغيب والمعارف المتصلة بكليات عالم الشهادة، وأنّ العقل المهتدي بالوحي يقوم بالربط بين معطيات الحواس لإضفاء المعنى عليها معتمداً على ما يأتي به الوحي من أطر تصورية.
ثالثاً: إنّ التصور الإسلامي الصحيح يمتلك حلولاً لأزمة المعرفة التي تتضح ملامحها في النظام التعليمي، حيث يقرِّر التصور الإسلامي أنّ الوجود لا ينحصر في العالم المشاهد وحده وإنما هناك وجود لعالم غيبي تخرج معرفته عن نطاق الحواس. ولمعرفة ذلك العالم فلا بد من اعتماد الوحي الإلهي مصدراً معرفياً؛ إذ أن المعلومات التي يقدِّمها الوحي يقينية والمصادر الأخرى مهما كانت فائدتها فإنها ليست يقينية ولا تستطيع تقديم إجابات مقنعة للتساؤلات المطروحة. وأنه لابد من تكامل المصادر المعرفية في البحث عن الحقيقة كما ينبغي التكامل بين عالم الغيب وعالم الشهادة وهذه هي مهمة علماء المسلمين الذين يمتلكون عقيدة تؤهلهم لإحداث التكامل بين المصادر المعرفية ووسائلها.
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[09 May 2009, 04:23 م]ـ
نظرية المعرفة بين النموذجين
الإسلامي والغربي
مقدمة:
إنّ البحث في نظرية المعرفة هو بحث في مبادئ المعرفة الإنسانية وطبيعتها ومصدرها وقيمتها وحدودها وفي الصلة بين الذات المدركة والموضوع المدرك، وبيان إلى أي مدى تكون تصوراتنا مطابقة لواقع الشيء المستقل عن الذهن الذي تناوله.
ولقد أصبح البحث في المعرفة – ماهية وقيمة ومصدراً – ضرورة علمية وفكرية لا يمكن تجاوزها بدعوى أنها مسألة نظرية، وذلك بسبب إسهامها الكبير في تشكيل المناخ الثقافي المنشود الذي يؤدي ما يتوافر فيه من صفاء عقدي ونقاء فكري - إلى تلاشي كثير من عوامل الخلل، لا سيما وأنّ مبحث مصادر المعرفة فيها يعتبر أساس فكر البشر ومنطلقه ومنبع كثير من تياراته ومذاهبه ونظرياته. وسوف نحاول في هذا الفصل إعطاء الخطوط العريضة لنظريتي المعرفة الإسلامية والغربية متكئين على ما أوردناه في الفصل الأول المتعلق بأزمة المعرفة في كلا النموذجين.
أ- مفهوم نظرية المعرفة:
1 - مفهوم النظرية
النظر هو التفكُّر الذي تطلب به المعرفة أي: أنه فعل صادر عن النفس للحصول على الأمور المجهولة من خلال الأمور المعلومة أما النظرية فهي بمثابة بناء معرفي للفكر الرابط بين الجزئيات و لها عدة معان منها:
1 - إنها موضوع تصور منهجي متناسق تابع في صورته لبعض الموضوعات العلمية التي يجهلها عامة الناس.
2 - إنها بناء فرضي ورأي لعالم أو فيلسوف حول مسألة أو مشكلة.
3 - إنها تركيب عقلي يتوسل به إلى تفسير عدد كبير من الجزئيات.
4 - تركيب عقلي مؤلَّف من تصورات منسقة تهدف إلى ربط النتائج بالمبادي.
¥