تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والجواب: هي غنة الميم الساكنة، والساكن الرخو والمتوسط يمتد زمن النطق به كما هو معروف، ولكنها تُطوَّل شيئًا قليلاً من أجل موافقة الميم الباء في المخرج، وكينونة الباء لا غنة فيها، فتُبيَّن قليلاً ليمتاز الإظهار من الإدغام، وقد أشار مكي إلى إظهار هذه الغنة في نحو: (أنبئهم)، فقال: " ولا تشديد في هذا، والغنة ظاهرة فيه في نفس الحرف الأول؛ لأنك أبدلت من حرف فيه غنة حرفًا آخر فيه غنة " (الرعاية 265).

وهذا النص مع ما سبق أن نقلته عن مكي هو ما بنى عليه ابن الجزري أن الإخفاء إجماع في المنقلبة عن نون، واختلاف في الأصيلة (النشر 1/ 222)؛ ذلك أنه ينظر إلى أن مكيًّا ذكر إظهار الغنة في المنقلبة، ولم يذكره في الأصيلة. ولا فرق بين الميمين.

4

اجتهاد المرعشي اغترارًا بمصطلح الإخفاء

ثم جاء الْمَرْعَشي (-1150) - وهو صاحب كتاب (جهد المقل)، وهو من أفضل كتب المتأخرين جمعًا وتفصيلاً في مسائل التجويد، وله عليه حاشية سماها: (بيان جهد المقل) - فوجد القوم عبروا في لقاء الميم ساكنةً الباءَ بالإخفاء، بعد ما استقرَّ هذا المصطلح عند المتأخرين، وكان حريصًا على تبيُّن حقائق نطق الحروف وتبيينها، وقد استقرَّ أيضًا أن للإخفاء حقيقة عامة، لا أنه مصطلح خاص بالنون كما بينت، وهذه الحقيقة أنه النطق بالحرف بحالة بين الإظهار والإدغام، وقد عُرِف أنه في النون إبطال عمل اللسان بها وإبقاء الغنة، فكيف يكون في الميم، وهي من الشفتين ولا يبطل عمل الشفتين بها؟ فقال: " فالظاهر أن معنى إخفاء الميم ليس إعدام ذاتها بالكلية، بل إضعافها وستر ذاتها في الجملة بتقليل الاعتماد على مخرجها، وهو الشفتان ... فتَلفِظ بالميم ... بغنة ظاهرة، وبتقليل انطباق الشفتين جدًّا " (جهد المقل 201 - 202).

وهذا تفكُّر منه وتصوُّر، لم ينقله أهل اللسان، ولا أهل القرآن، حمله عليه اسم الإخفاء، وليس للميم فيه نصيب، وما استعملوه إلا تجوُّزًا في التعبير. وقوله: " فالظاهر " اعتراف بأنه اجتهاد وتأمل بلا اعتماد على نص، أو متابعة لقائل سابق.

وفوق هذا هو مناقض لنصوص كثيرة، منها تشبيه سيبويه الميم بالباء في لزوم الشفتين، أي انطباقهما (الكتاب 2/ 416)، وقول الداني في الميم: " وهي أقوى من النون؛ لأن لفظها لا يزول (أي لا يزول انطباق الشفتين بها)، ولفظ النون قد يزول عنها فلا يبقى منها إلا الغنة " (التحديد 109)، أي بالإخفاء.

هذا، مع أن المرعشي لم يستعمل اللفظ العجيب: (الفرجة)، وهو لو فُهم على ظاهره، وهو مجافاة الشفتين، لكان إبطالاً لنطق الميم، وهذا لم يقل به أحد قط، فيما نعلم، وهذا يدلك على مبلغ خطورة أخذ الأمور بالتسليم بغير تفقه أو تبصر، إذ يتلقفها العوام ويبالغون في أصل الأمر، متكلين على التلقي من الشيوخ - كأنهم والشيوخ معصومون من الخطأ - والمرعشي قال بتقليل الانطباق لا انفراج الشفتين الذي هو إبطال نطق الميم، وأول كلامه: " إن قلت: ما معنى قلب النون الساكنة ميمًا مخفاة مع الغنة قبل الباء، مع أن ذات الميم ملفوظة غير معدومة؟ ... فالظاهر .. إلخ ". وقال في حاشيته على كتابه يوضح هذا السؤال: " فأي فائدة في قلبهما ميمًا ثم إعدام الميم؟ " (بيان جهد المقل 54أ الأزهر عمومي 2787). وهو واضح الدلالة على انطباق الشفتين.

وهذا الكتاب (جهد المقل) لم يُنشَر إلا بأخَرَة، حققه الدكتور سالم قدّوري الحمَد، ونشرته دار عمَّار في عمَّان سنة 2001. ومنه نسخ في دار الكتب المصرية، وفي المكتبة الأزهرية.

وأغلب مادته كانت في كتاب آخر نشر قديمًا، هو كتاب (نهاية القول المفيد) لمحمد مكي نصر الْجُرَيْسي، كان حيّا سنة 1305=1888، وهي سنة فراغه من كتابه، وطبع الكتاب في مطبعة بولاق بمصر بعد ثلاث سنوات من تأليفه، أي سنة 1308=1891، ثم طبع في سنة 1323=1905 (معجم المطبوعات العربية 2/ 1698)، ثم في مطبعة مصطفى البابي الحلبي سنة 1349=1931.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير