وقبل الخوض في المسألة أريد أن أتعرّض إلى الأصل المعتمد عليه في هذه المسألة وهو ترقيق الراء في (فأسر، أن أسر، إذا يسر). قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى: " (السابع) الوقف بالسكون على (أن اسر) في قراءة من وصل وكسر النون يوقف عليه بالترقيق. أما على القول فإن الوقف عارض فظاهر وأما على القول الآخر فإن الراء قد اكتنفها كسرتان، وإن زالت الثانية وقفاً فإن الكسرة قبلها توجب الترقيق. فإن قيل إن الكسر عارض فتفخم مثل (أم ارتابوا) فقد أجابَ بما تقدم أن عروض الكسر هو باعتبار الحمل على أصل مضارعه الذي هو يرتاب. فهي مفخمة لعروض الكسر فيه بخلاف هذه. والأولى أن يقال كما أن الكسر قبل عارض فإن السكون كذلك عارض وليس أحدهما أولى بالاعتبار من الآخر فيلغيان جميعاً ويرجع إلى كونها في الأصل مكسورة فترقق على أصلها. وأما على قراءة الباقين وكذلك (فأسر) في قراءة من قطع ووصل فمن لم يعتد بالعارض أيضاً رقق وأما على القول الآخر فيحتمل التفخيم للعروض ويحتمل الترقيق فرقاً بين كسرة الإعراب وكسرة البناء إذ كان الأصل (أسرى) بالياء وحذفت الياء للبناء فبقي الترقيق دلالة على الأصل وفرقاً بين ما أصله الترقيق وما عرض له وكذلك الحكم في (والليل إذا يسر) في الوقف بالسكون على قراءة من حذف الياء فحينئذٍ يكون الوقف عليه بالترقيق أولى. والوقف على (والفجر) بالتفخيم أولى والله أعلم." انتهى كلامه عليه رحمة الله تعالى.
أقول: من تمعّن جيّداً في كلام ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى يتبيّن له ما يلي:
أوّلاً: أثباته لوجه الترقيق وتقديمه على التفخيم في هذه الكلامات كان باجتهاد محض اعتداداً بالأصل.
ثانياً: لم يَعزُ هذا الوجه لأيّ واحد ممن سبقه من أهل الأداء ولم يذكر أيّ نصّ في ذلك.
ثالثاً: لم يذكر أنّه قرأ بوجه الترقيق في هذه الكلمات عن مشايخه إذ لو قرأ به لأخبر بذلك كعادته.
رابعاً: الاعتداد بالأصل لا يَعني صحة الوجه والدليل على ذلك أنّه لم يعتبر به في لفظ {الفجرِ} حيث رجّح التفخيم على الترقيق مع أنّ الأصل في الراء هو الكسر الموجب للترقيق.
خامساً: مخالفته للنصوص التي دلّت على التفخيم في الراء إذا سُبقت بفتح وحال بينها وبين الفتح ساكن كما سيأتي بيانه.
سادساً: العبرة بما ثبت بالنصّ والأداء كما قال الداني عليه رحمة الله تعالى: " مع الإعلام بأنّ القراءة ليست بالقياس دون الأثر"
إذن فالترقيق في هذه الكلمات غير مسلّم به، بل يحتاج إلى نظر لأنّه قائم على اجتهاد يحتمل الخطأ الوصواب وهو يفيد الظنّ، والقطع به مستبعد لما سبق من البيان.
أقول: إن كان الأصل المعتمد عليه في المسألة يحتاج إلى نظر فما نقول في الفرع أي في حكم ترقيق راء {ونذر}؟
الآن نعوذ إلى الكلام في الفرع وهو لفظ {ونذر} فأقول: إنّ أوّل من قال بترقيقها كما ذكر الشيخ المحقق عبد الرازق إبراهيم موسى حفظه الله تعالى (عند تحقيقه لكتاب شرح الفاسي على الشاطبية) هو الشيخ الطباخ في كتابه فتح المنان حيث ذكر عدداً من الكلمات منها (ونذر، الجوار، مفتر، تمار، ولم أدر، هار) ثمّ تبنّى هذا القول العلامة المتولّي في فتح المعطي في لفظ {ونذر} ولم يتجاوزه وتبعه في ذلك العلامة الضباع حيث استحسن الترقيق في أرشاد المريد وكذا العلامة السمنودي في لآلئ البيان ثمّ صار الوجه معمولاً به. ويبدو أنّ المتولّي قاسها على {يسر} كما ذكر صاحب الفضيلة المحقق عبد الرازق علي إبراهيم موسى، وسببه أنّ بن الجزري ذكر في النشر ما يرقّق فرقاً بين كسرة الإعراب وكسرة البناء في ثلاث كلمات بالتحديد وهي {أن أسر} عند من قطع وسكن النون وكذلك {فأسر} عند من قطع ووصل وكذا {والليل إذا يسر} في الوقف على السكون على قراءة من حذف الياء. ولم يتعرّض بن الجزري إلى كلمة {ونذر} لا من قريب ولا من بعيد. وما ذهب إليه بعض أهل الأداء إلى قياس {ونذر} على {فأسر} وأخواتها غير مسلّم به لعدّة أسباب:
أوّلاً: إنّ وجه الترقيق في {ونذر} مخالف للنصوص الصريحة التي مقتضاها تفخيم الراء المتطرفة إلاّ إذا وُجد سبب موجب الترقيق وهو وجود قبل الراء كسر أو ياء ساكنة أو إمالة أو ترقيق وذلك في {بشرر} لورش من طريق الأزرق. قال ابن الجزري رحمه الله في طيّبته:
¥