تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إذا قيل لك اخش الله مولاك فقل آري

وهذا يدل على أن في الأمر سعة وأن لكلا الرأيين حجتَه.

وما ذكره الأخ طه أن مصطفى إسماعيل يميل أكثر من المنشاوي لم أسمع مثله وهو يقرأ (جاء)، حيث يقرؤها بما يشبه الياء في (وجاء ربك والملك). فالشيخ حسن قد ماز بين الياء الناتجة عن الإمالة والياء الأصلية على حين لم يفعل ذلك المنشاوي إن لم يخدعني التسجيل وكثيرا ما يفعل. وقراء الموصل يقرؤون بما هو قريب من تلاوة محمود علي البنا رحمه الله. وهو أقل إضجاعا قليلاً من القراءة الرائعة التي أستمع إليها الآن. وفي ضوء بضاعتي المزجاة فإن الشيخ القارئ في غاية الإتقان والجودة حتى إنه قرأ الضاد خفيفة رخوة كما ينبغي لها في كلمة (ضريع).

وإن كان قد قرأها شديدة قطع معها الصوت والنفس في كلمة (تحاضون)

وأتمنى له أن يقلل القلقلة التي ابتلي بها قراء زماننا بسبب هيمنة التقليد عليهم حتى حركوا الحروف الساكنة. كما أحثه وجميع القراء أن يعودوا إلى ما أجمعت عليه كتب النحو والقراءات من استمرار الصوت والنفس مع الضاد وأنها حرف رخو حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الضاد والظاء "إذ هما في السمع واحد"، وأن التفريق بينهما يكون في المخرج وإن كان طفيفا في السمع بسبب اشتراكهما في صفة الرخاوة.

وبسبب أنهما في السمع واحد كتبت كلمة (ظنين) بهما معا وقرئت بهما معا مع أن المعنى مختلف إذ معنى (ظنين) (متّهم)، ومعنى (ضنين) (باخل).

والدليل على أن القراء والنحاة لم يهموا في معنى الرخاوة تمثيلهم بالحروف الرخوة كلها. وللشديدة ولما بينهما وهو (ل ن ع م ر) كما هي. ولا يشفع للمخالفين أن يقيسوا على اضطرابهم في صفة الجهر والهمس في صوتي (ق ط)، لأن الجهر والهمس ليس بدرجة وضوح وامتياز الشدة والرخاوة من جهة، ولأن مفهوم الأوتار الصوتية واضطرابها لم يكن موجوا لدى الناس قبل العصر الحديث. ثم إن تحكيم المنطق لإدراك الصوت الحق أمر لا يسوغ. ولذلك كان الدكتور غانم الحمد متسقا مع المنهج العلمي حين أقرّ بحصول تغيّر في نطق الضاد عما كان عليه الحال عند علماء النحو والقراءت، فهو لم يتهم العلماء بعدم فهم الشدة والرخاوة بل أقر بالخلاف. وهذا عين الصواب والتفكير العلمي، ولكنه بدلا من أن يدعو القراء إلى العودة إلى ما أجمع عليه القراء والنحاة دعا إلى اتخاذ قرار باستبدال الضاد القديمة بالضاد الحديثة، وهنا يكون قد أبعد النجعة وفعل ما لا ينبغي لمثله. فالضاد رخوة لا ينقطع معها النفس، نعرف ذلك حين نقرأ كلمة (فضِّلوا) على هيئة يستمر معها النفس ونحن ننطق الضاد. فإذا انقطع النفس فقد أخللنا بصفة الرخاوة.

والقراءة حياة مستمرة وفنّ متجدد وعلم نافذ. لا يخلق ولا يبلى. وعلم القراءات ميزة للأمة الإسلامية ولمذهب الأمة الشامل لأهل السنة والزيدية والإباضية وهم الذين يقصرون الاتصال بالملأ الأعلى على (رسول الله) وحده. أما الذين استقلوا عن الأمة بأن ادعوا وجود كائنات تتصل بالملأ الأعلى غير الأنبياء فقد قادهم ابتعادهم عن الأمة إلى جهل مطبق بعلم القراءات وفنون الأداء، فحرموا بركة حنين القرآن في مدارسهم وكتاتيبهم. وهذه بركة القرآن الكريم تظهر على علماء الأمة على خلاف من استقل بضلاله كما قال مسلم بن الوليد

فُتنّا للضلال بحبّ هندٍ * كما فُتِنَ النصارى بالصليبِ

وإلى الإخوة القراء تحياتي وتسليماتي.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير