فذكر أن (السلف كانوا يُحَسِّنون القرآنَ بأصواتِهم من غيرِ أن يتكلفوا أوزانَ الغِناء، مثلَ ما كان أبو موسى الأشعري يَفعلُ، فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لقد أُوتِيَ هذا مِزْمارًا من مَزاميرِ آلِ داودَ". وقال لأبي موسى الأشعري: "مررتُ بك البارحةَ وأنتَ تقرأ، فجعلتُ أستمعُ لقراءتِك"، فقال: لو علمتُ أنك تسمعُ لَحبَّرتُهُ لكَ تحبيرًا. أي لحسَّنْتُه لك تحسينًا. وكان عمر يقول لأبي موسى الأشعري: يا أبا موسى، ذَكِّرْنا ربَّنَا، فيقرأ أبو موسى وهم يستمعون لقراءته.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "زَيِّنُوا القرآنَ بأصواتِكم". وقال: "لَلَّهُ أَشَدُّ أَذَنًا إلى الرجلِ الحسنِ الصوتِ بالقرآنِ من صاحبِ القَيْنَةِ إلى قَيْنَتِه". وقال: "ليس منّا من لم يَتَغَنَّ بالقرآن".
وتفسيرُه عند الأكثرين كالشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما هو تَحْسِين الصوتِ به. وقد فَسَّره ابن عُيينة ووكيع وأبو عبيد على الاستغناء به". ابن تيمية.
ثم انتقل الدكتور إبراهيم بعد ذلك للحديث عن (تاريخ القراءة بالألحان والمقامات من حيث نشأته وأول من حفظ عنه الكلام فيه) فذكر أن (علم الألحان علم قديم، عرفه قدماء اليونان، فتحدث عنه أرسطو وأفلاطون وغيرهما، وتعتبر مؤلفات الكندي المتوفى120هـ من أقدم ما وصل إلينا. مقدمة محقق الموسيقى للصفدي.
وكانت الألحان معمول بها في معابد اليهود والنصارى.
أول ما ظهرت قراءة القرآن بألحان الغناء في الإسلام في المائة الثانية وكان ممن يقرأ بهذه الألحان الهيثم وأبان وابن أعين ومحمد بن سعيد وهذا من أهل المائة الثالثة. تاريخ القرآن الكريم للكردي.
كما أشار إلى أن (دخول المعازف في تلاوة القرآن) كان بدعوة مشبوهة من بعض الصحفيين قديماً بزعم تصوير المعاني وضبط الأنغام، وربما تمادى بعضهم وطالب بما يقارن تلك الألحان بالآلات الموسيقية، فكل ذلك جرأة على كتاب الله تعالى ذِكرُه وتقدس اسمُه، ولا شك أن الاشتغال بتلك الأنغام يوقع القارئ في تحوير الألفاظ، ويصرف السامع عن تدبر المعاني، بل يفضي بها إلى التغيير، وكتاب الله تعالى مجد المسلمين ينزه عن ذلك. " حول فكرة تلحين القرآن " لعبد الفتاح القاضي بمجلة الأزهر الجزء الأول، عدد محرم 1387 هـ، والجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم للبيب السعيد صـ 343.
ثم فصل الدكتور إبراهيم الدوسري حكم قراءة الألحان عند القراء فذكر أن هذا يعد عندهم من الأساليب الممنوعة في القراءة، وأما الإقراء به فقد نص الشهرزوري على أنه لا يجوز الإقراء به. ويلحق به التطريب وغيره، حيث النص عن ابن مجاهد على منعه.
ثم انتقل للحديث عن حكم القراءة بالألحان عند الفقهاء ففصل فيه، وذكر أدلة المجيزين وأدلة المانعين، ثم ذكر اختيار ابن تيمية وهو قوله: (تنازع الناسُ في قراءةِ الألحانِ، منهم مَن كرهَها مطلقًا، بل حَرَّمها، ومنهم من رخَّصَ فيها، وأعدلُ الأقوالِ فيها أنها إن كانت موافقةً لقراءة السَّلفِ كانت مشروعةً، وإن كانت من البدع المذمومة نُهِيَ عنها".)
وذكر قولاً لابن القيم نصه: (وكل من له علم بأحوال السلف يعلم قطعاً أنهم برءاء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلفة التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة، وأنهم أتقى لله من أن يقرؤوا بها ويسوِّغوها، ويعلم قطعاً أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب، ويحسنون أصواتهم بالقرآن، ويقرؤونه بشجي تارة، وبطرب تارة، وبشوق تارة، وهذا أمر مركوز في الطباع تقاضيه، ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له، بل أرشد إليه وندب إليه، وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به، وقال: " ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن "، وفيه وجهان: أحدهما: أنه إخبار بالواقع الذي كلنا نفعله، والثاني: أنه نفي لهدي من لم يفعله عن هديه وطريقته صلى الله عليه وسلم)
وقد علق الدكتور إبراهيم الدوسري على أقوال الفقهاء فقال:
وعلماء التجويد والقراءات لا يعتدون بعلم الألحان، وإنما يشتغل به من يتخذون القرآن الكريم حرفة لإحياء الليالي والمآتم ونحوها، أو من يحبون الشهرة، وما ذكره ابن حجر (ت852 هـ) وغيره من الأئمة المعتبرين من الجواز في ذلك إنما مرادهم التلحين البسيط الذي لا يؤثر على الأداء الصحيح، وهذا هو محل الخلاف.
¥