تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن ?لمسلمين، على ?ختلَاف فِرَقِهم وتعدد مذاهبهم، يؤمنون -باستثناء بعض أدعياء "?لعقلَانية" من ?لمعاصرين- بأن ?لمكتوب بين دفتي ?لمصحف كلَام ?للَّاهِ ?لمنزل على رسوله محمد بن عبد ?للَّاهِ -صلى ?للَّاهُ عليه وسلم-، وبأنه لَا يأتيه ?لباطل من بين يديه ولَا من خلفه وبأن ?للَّاهَ -عز وجل- تكفل بحفظه من كل تحريف إلى يوم ?لدين ("إنا نحن نزلنا ?لذكر، وإنا له لحافظون"، ?لحِجْر:9). وهذا هو كتاب ?للَّاهِ، ?للذي هو "?لقرآن" ?لمتعبد بتلَاوته و?لمعتمد أصلًا في معرفة أحكام ?لدين-?لْإسلَام. وهكذا لَا يسع ?لمسلم إلَّا أن يؤمن –في حدود ما يُمكنه أن يعلم- بكل ذالكـ دون أدنى ?رتياب. إذ من ?لمتواتر، بين علماء ?لمسلمين، أن "?لقرآن ?لكريم" قد جُمع حفظا في قلب رسول ?للَّاهِ -صلى ?للَّاهِ عليه وسلم-، حيث إن جبريل -عليه ?لسلَام- كان يُدارسه ?لقرآن من رمضان إلى رمضان وأنه -صلى ?للَّاهُ عليه وسلم- عرضه عليه مرتين في ?لسنة ?للتي قُبض فيها [4]، وقد جمعه حفظا كثير من ?لصحابة على عهد رسول ?للَّاهِ وبعد مماته [5]. ومن ?لمتواتر، أيضا، أن "?لقرآن" قد جُمع كتابةً، أولًا، من طرف كُتَّاب ?لوحي بأمر وتلقين من رسول ?للَّاهِ، صلى ?للَّاهُ عليه وسلم [6]؛ ثم، ثانيًا، في عهد ?لخليفة ?لراشد أبي بكر ?لصديق، رضي ?للَّاهُ عنه [7]؛ ثم، أخيرًا، في عهد ?لخليفة ?لراشد عثمان بن عفان، رضي ?للَّاهِ عنه [8].

ولذالكـ، فإنه من ?لمتواتر، بين علماء ?لمسلمين، أن ?لنص ?لمجموع بين دفتي ?لمصحف توقيفي ونهائي، في تأليف ألفاظه وترتيب آياته وسوره وفي وجوه قراءته، بحيث ليس لِأحد من ?لبشر، أيا يكن، أن يدعي صوابا في تغيير أي شيء من هذا كله. وإنه لَأمرٌ فعلي وإيماني، عند ?لمسلم، مُسَلَّمٌ وَمُؤَكَّدٌ غايةَ ما يكون ?لتسليم و?لتأكيد. ولذا، فإن كل تشكيكـ في ذالكـ أو تجويز لغيره إنما يكون نتيجة لما يُلِمّ بِـ?لمرتاب و?لجاحد من صُنُوف ?لِاعتقادات ?لفاسدة و?لْأهواء ?لمُضلة، ?للتي لَا تضر كتاب ?للَّاهِ في شيء بقدر ما تضر نفوس أصحابها عاجلًا وآجلًا. و?للَّاهُ غالبٌ على أمره ولو كره ?لمشركون.

ومن حيث إن "?لقرآن ?لكريم" تم تدوينه، نهائيا، في عهد ?لخليفة ?لراشد عثمان بن عفان وَفق ?لرسم ?للذي عُرِف منذئذ باسمه (?لرسم ?لعثماني)، فإن معظم ?لمسلمين يعتقدون أن رسم ?لقرآن -بالشكل ?للذي تم في عهد عثمان وتواتر نقله إلى ?لْآن- يُعَدُّ هو أيضا مقدسا لَا يجوز تغيير أي شيء فيه. إنه، في ظنهم، توقيفي مثلما هو ?لْأمر بالنسبة لتأليف ألفاظ ?لقرآن وترتيب آياته وسوره ووجوه قراءته. وعلى هذا، فإن "?لرسم ?لعثماني" يُنظر إليه، من طرف ?لسواد ?لْأعظم من ?لمسلمين، بأنه أكمل رسم ممكن في ?لخط ?لعربي، وبأنه يزداد شرفا وقُدسية لكونه حُفظ بتواتر ?لنص ?لقرآني. وهكذا نجد أن بعض ?لناس -حتى بين ?لعلماء- لَا يكتفون بالحديث عن وجود "إجماع" حصل بين أمة ?لمسلمين (أي "إجماع" يجعل وُرُود ?لمصحف مكتوبا ومُرَتَّبًا بذالكـ ?لنحو يكتسي طابعا "قطعيا" مُلزِما لكل مسلم)، بل إن هناكـ من ذهب إلى ?لحديث عن وجود أسرار من ?لعلم ?لْإلَاهي في "?لرسم ?لعثماني" تمثل نوعا من أنواع ?لغيب ?للذي لَا يُحيط به إلَّا ?للَّاهُ –عز وجل- أو من أُوتي ?لحكمة من عباده [9].

من أجل ذالكـ، فإن أي ?هتمام بتحسين تلقي ?لقرآن في ?لعصر ?لحالي (و?لعصور ?للتي تليه) يُواجِه -لَا محالة- إشكال "?لرسم ?لعثماني" كما يظهر في ?لمصحف ?لشريف. ومن ثم، فإن ?لسؤال ?لمطروح يمكن أن يتحدد على هذا ?لنحو: هل كتابة ?لمصحف وفق "?لرسم ?لعثماني" توقيف من طرف ?لرسول -صلى ?للَّاهُ عليه وسلم- وحيا من ?للَّاهِ تعالى أم أنها مجرد "?تفاق" (أو "?صطلاح") حصل بين ?لصحابة ?للذين جمعوا ?لمصحف على عهد عثمان بن عفان، رضي ?للَّاهُ عنهم؟ هل هناكـ إجماع من طرف علماء ?لْأمة حول وجوب ?لِالتزام برسم ?لمصحف ?لعثماني أم أن ?لْأمر يتعلق بمذهب يتفق حوله جمهور ?لعلماء؟ وما هو ?لْأساس ?للذي ?عتمده ?للذين يقولون بأن "?لرسم ?لعثماني" توقيفي؟ هل هو أساس شرعي وعملي يقتضي فقط ?لْإيمان و?لتسليم أم أنه أساس علمي أو سياسي يقبل ?لنقاش و?لنقد؟ وبإيجاز، هل رسم ?لمصحف وحي إلَاهي-رباني يُؤخذ كما هو من دون أدنى تردد أم أنه عمل بشري-إنساني يمكن ?لتصرف فيه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير