ولا يجوز تفريج الشفتين مع الميم لأننا لا نفرج الشفتين عند نطقنا للميم الخالصة. ولأن الميم لا تشترك مع النون إلا في الغنة، فهي لا تنقلب إلى صوت الياء ولا الواو ولا اللام ولا الراء كما تفعل النون.
فقراءة بعض الناس بتفريج الشفتين عند الميم إنما هو إبعاد للنجعة ووقوع تحت تأثير المصطلح، وهذا من أبشع أنواع سوء الفهم وأكثرها انتشارا، في كثير من الظواهر. وقد هداني الله تعالى أن أبيّنَ في هذا الملتقى المبارك كيف أن علماء الحديث في القرن الثالث قد أنكروا إطلاق صفة مخلوق على القرآن فقالوا (غير مخلوق) يعنون (لا يوصفُ بمخلوق)، إنكارا منهم لبدعية اللفظ فهم أورعُ أن يخوضوا فيما ليس لهم به علم، فجاء من بعدهم ففهموا أنهم إنما يقصدون أنه فعلا غير مخلوق وشرعوا ينظرون ويبحثون عن الأسباب فقالوا إن الكلام صفة المتكلم .... نسوا أن هذا القول أسوأ من الأول وأنه يقود إلى جعل الله تعالى نصا لغويا وهذا غاية الضلال. وما سببه إلا سوء فهم لمصطلح (غير مخلوق) الذي لا يعني أكثر من (ولا يوصف بمخلوق). وكل الإخوة يعرفون أن هذه القضية قد امتصت طاقات الأمة لألف سنة مما تعدون. [يمكن الاطلاع على الحوار المثمر في سبب الاضطراب في المصطلح في هذا المنتدى]
مسألة أولى: كيف نتعامل مع من أجاز تفريج الشفتين عند نطق الميم الساكنة قبل الباء؟ وهو ما أطلقوا عليه (إخفاء شفويا)؟
الجواب أن هذا الصنف من الناس قد وقع تحت تأثير المصطلح (إخفاء)، فاجتهد في الأداء ليجعل نطق الميم يتلاءم مع مصطلح إخفاء الذي يستلزم إخفاء شيء ما، فظن أن تفريج الشفتين تؤدي إلى إخفاء الميم. والصواب أن تفريج الشفتين مع الميم لا يجوز بحال البتة.
ونحن أمام خيارين: أن نتخلى عن مصطلح الإخفاء الشفوي لاتضاح عدم صلوحه لهذه الظاهرة، ولحين اتفاقنا على مصطلح يكتفي المؤلفون في التجويد بالقول [تقرأ الميم الساكنة بغنة إذا جاء بعدها باء].والثاني أن نحاول وضع مصطلح جديد له الآن وقد رأيت من حاول ذلك فأطلق اسم (إشمام) لأن الميم تشم غنة فقط. ولم أمل إلى رأيه.
مسألة أخرى: تكلم علماء القراءات على وجهين للميم مع الباء، سمّوا أحدهما إظهارا والآخر إخفاء شفويا، وذكر الشمس ابن الجزري في النشر جواز الوجهين.
وكنت أفهمهماعلى أن أحدهما أن أقرأ الميم سريعا دون غنة، والثاني أن أقرأها بطيئا بغنة كما هو شائع [ما سمي خطأً بالإخفاء الشفوي]. ولكنّ في نفسي شيئاً من هذا الفهم لأني لم أسمع من شيخ أو قارئ ما قراءة الميم بدون غنة عند الباء، وإن كان مؤلفو القراءات وعلوم القرآن قد أوردوا هذا القول. ويحسُن التنبيه إلى أن "إخفاء" أبي عمرو البصري للميم المتحركة عند الباء لم يجيزوا معه إلا الغنة ولم يضيفوا وجه الإظهار الذي أجازوه مع الميم الساكنة عند الباء.
الخلاصة أن الاستشكال الذي حاول الإخوة الكرام إيضاحه مشكورين مجزيين خيرا بحسن نياتهم إنما سببه استخدام مصطلح واحد لتوصيف ظاهرتين مختلفتين تشتركان بالغنة عند الباء.
وبوصفي مستمعا جيدا لشيوخ القراءة الكبار أعني المصريين منهم لأنهم أقطاب هذا الشأن أداءً فإني لا أستسيغ صنيع من يفرج بين شفتيه تفريجا تلتقطه الأذن عند تلاوة الميم قبل الباء مثل (ترميهمْ ــــــ ـبحجارة)، لأن الوقوع تحت تأثر المصطلح والغفلة عن أصل الظاهرة قبل نشوء المصطلحات نوع من أنواع الجهل وقع فيه مع الأسف كثير من المتقنين، في هذه الظاهرة وغيرها.
ومن أبشع ما وقع فيه القراء
- بدعة تحريك الحرف من أجل إيضاحه، [ما سموه بالقلقلة، ثم شرعو يقسمونها إلى كبرى وصغرى ومع التشديد]. فالصواب فيها أن يطلب توضيح خروج الحرف والحذر من تحريكه أدنى تحريك لأنه حرف ساكن.
- بدعة إلغاء صفة الرخاوة مع الضاد. [كيف يُجْمِع علماءُ النحو والقراءات على رخاوة الضاد، وأن الرخاوة استمرار الصوت أو النفس، ونخالفهم فننطقها شديدة كالدال المفخمة. وحجتنا أوهن من بيت العنكبوت وهي أن نفرّق بين الضاد والظاء تفريقا أكثر مما ينبغي. على حين قال شيخ الإسلام بن تيمية عن الضاء والظاء "إذْ هما في السمع واحد"]. ولكونهما في السمع واحد كتبت كلمة (ظنين) في قوله تعالى (وما هو على الغيب بضنين) بهما معا وقرئت بهما معا على حين أن المعنى مختلف فـ (ـظنين) (متهم)
و (ضنين) (باخل)
¥